لم يغب حي الشيخ جراح في القدس عن واجهة الأحداث، لكن مواقف المواطنين الفلسطينيين المقدسيين وتضحياتهم، تعيد صورة صمود أهالي الحي إلى صدارتها، كيف لا والمواطن محمد صالحية يقرر أن الاستسلام لأوامر سلطة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية الإرهابية، وإخلاء بيته طواعية "خيانة"، وزاد عليها اعتصامه وأفراد عائلته داخل المنزل، والتهديد بحرق وتفجير البيت بأنبوبة غاز الطبخ إن أقدمت شرطة الإرهاب والعنصرية الإسرائيلية على اقتحامه وهدمه.
قد يذهب البعض في القراءة الأولى السريعة للحدث، بأن المواطن الفلسطيني المقدسي محمد صالحية يسعى لاستدراج ضغط على سلطة منظومة الاحتلال، وهذا صحيح من حيث المبدأ، وقد يذهب البعض الآخر إلى أن تنفيذ صالحية لتهديداته فعلاً، يعتبر تطرفًا في مواجهة موقف مصيري، وهذا أيضًا صحيح، لكن الضلع الثالث في مثلث الحقائق هذه هو أن المواطن الصالح الفلسطيني المقدسي محمد صالحية، أراد إيصال رسالة لمنظومة الإرهاب والعنصرية والغزو والاحتلال (إسرائيل) بأن إصرار رؤوس هذه المنظومة على التطهير العرقي، وتهجير المقدسيين، وارتكاب الجرائم تحت سمع وبصر ما يسمى المجتمع الدولي سيقابله الفلسطيني المقدسي خصوصا والفلسطيني عموما بمواقف وقرارات مصيرية أهونها التضحية بالروح والنفس والمال والأرزاق والأبناء من أجل شبر واحد من أرض القدس عاصمة فلسطين، مدينة الله، مدينة السلام، مدينة القيامة، والأقصى، وربما يدرك الغزاة أن الأرض بالنسبة للفلسطيني أقدس من الروح، وأن النفس دونها في أدنى المقامات، وأن الحياة بحرية وكرامة وعزة وإباء عليها أسمى وأرقى وأعلى مقام في الحياة لا يناله إلا حر شريف ، يعتبر كل حجرة في جدران بيته الذي ورثه عن أبيه وجده ، بمقام عظمة في هيكل جسده الطاهر.
نفد صبرنا، وعلى الغزاة الرحيل، وليس نحن الذين خلقنا من تراب هذه الأرض، وكنا من سلالة آدم المخلوق من أديمها، لن نهاجر، لن نترك بيوتنا مهما بلغت شدة إعصار دويلة المستوطنين  العنصريين الإسرائيليين الإرهابية المدمر، بإمكانكم إطعام لحمنا لجنازير جرافاتكم، وسحق عظامنا، لكن ليس قبل أن نموت بشرف وإباء لحظة الدفاع عن أرضنا وبيوتنا، هذه هي رسالة المواطن الفلسطيني المقدسي صالحية، يؤرخها متزامنة من هبة ورسالة المواطنين في النقب، وفي برقة، وبيتا، وكفر قدوم، وفي كل مكان من أرض فلسطين التاريخية، فيوم الأرض في الثلاثين من آذار من العام 1976 مناسبة وطنية، لكنه ليس آخر يوم تفتدى فيه الأرض، وتفتدى فيه بيوت الأجداد.
ليس من قبيل الصدف أن المشتل الزراعي الذي يمتلكه المقدسي صالحية  بجوار بيته في حي الشيخ جراح،  وتسعى سلطة الاحتلال لتهجيره من بيته تمهيدًا للسيطرة تمامًا على أرضه اسمه (فخار السلام)، فرؤوس الجريمة ضد الإنسانية، يتعاملون مع السلام كمادة الفخار، يشكلونها على هواهم، وحسب متطلباتهم وحرفيتهم في المخادعة، يزينون بها صالات خطاباتهم ومنابرهم السياسية! ويهشمونها بجنازير جرافاتهم، ودباباتهم وقتما يشاءون أيضًا.
بين ساعة وأخرى نشهد أحداثاً على الأرض أقل ما يقال فيها إنها تشبه مقدمات أي بركان حي، فالدخان يتصاعد بكثافة، والشرر يتطاير وسيتطاير ليس من فوهة واحدة، وإنما من حيث  يعلمون ومن حيث لا يعلمون ومن حيث لا يحتسب المحتلون العنصريون، فهم لم يتعلموا من درس الثامن عشر من أيار العام الماضي، عندما انفجرت فوهات براكين الشعب الفلسطيني في كل بقعة من أرض فلسطين.

المصدر: الحياة الجديدة