رغم حالتي الصحية الطارئة منذ أيام، فإنني وجدت نفسي ممزقا في الأيام الأخيرة، بين القصف الإسرائيلي الذي يتوسع في قطاع غزة، مصحوبا بموجة من التهديدات الصاخبة التي تعطي هذه التهديدات بعداً أكثر خطورة، ربما تصل في الفترة القادمة إلى شبه حرب كالتي شنها الاحتلال الإسرائيلي في نهاية العام 2008 و بدايات العام 2009، والتي نعيش هذه الأيام ذكراها الثالثة، مع العلم أن شواهد تلك الحرب الظالمة والغاشمة والهمجية ما زالت موجودة، وتصدم عيوننا في الصباح والمساء، وهي آثار التدمير لمؤسساتنا الوطنية، وآلاف البيوت والمصانع والمزارع، ومئات المعاقين، بالإضافة إلى ذكرى الذين فقدناهم في تلك الحرب الظالمة، ووقائع الحصار الذي ما زال قائما، فهو حصار يستغله البعض أبشع استغلال لمنافعهم الخاصة، ولكنه يبقى رغم ذلك من أسوأ أنواع الحصار، إنه حصار المحاصر أصلا وتقسيم المقسم فعلا، وإيذاء الغالبية العظمى من أبناء قطاع غزة الذين يعيشون في الأصل عيشة ضنكى، رغم بعض المظاهر الاستهلاكية الزائفة، مثل وجود أنواع من السيارات الفاخرة والتي يقال انها في الأصل سيارات مسروقة قادمة من ليبيا ومصر، وهي تسبب ضررا مزدوجا، فهي تزيف صورتنا، وقد تكون مدعاة لمسؤولية جنائية ذات يوم، بسبب المشاكل التي أحاطت بها قبل وصولها إلينا في هذا النموذج من حصار المحاصر .

الجانب الآخر من معادلة التمزق تكمن في هذه الموجة العاتية من الاستدعاءات، والاحتجازات والاعتقالات التي تشمل المئات من أبناء فتح في قطاع غزة، حيث لا يفصح الذين يقومون بهذه الموجة عن أي أسباب مقنعة، ويقال في بعض الأحيان أنها تأتي ردا على موجة موازية تجري بالضفة، هل الأمر كذلك فعلا ؟؟؟ وهل الإنسان الفلسطيني يبقى هكذا رهينة في يد ما لا يعرف، ورهينة في يد سلوكيات ليس هو مشاركا فيها، فبالتالي متى ؟؟؟ وما هو العائد من وراء كل ذلك ؟؟!

مؤشر الخطورة في هذه الموجة العاتية من الاستدعاءات، والاحتجازات والاعتقالات أنها تأتي في أعقاب تطور إيجابي مهم جرى ويجري على صعيد ملف المصالحة، بدأ بذلك الاجتماع التاريخي بين الأخ الرئيس أبو مازن والأخ أبو الوليد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مع وفدين كبيرين من فتح وحماس، وقد وصل التوافق الوطني في ذلك الاجتماع في الرابع والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر الماضي أعلى مستوى !!! ثم جاءت حوارات القاهرة الأخيرة لتجعل المصالحة تسير على السكة الصحيحة، فيتم تشكيل اللجان مثل لجنة الانتخابات، و تشكيل اللجنة القيادية العليا لمنظمة التحرير، و قد عقدت أول اجتماعاتها في الخامس و العشرين من هذا الشهر، و نحن في انتظار اجتماعها الثاني بعد أيام !!!

مؤشر الخطورة هنا، أن هذه الموجة العاتية من الاستدعاءات و الاحتجازات و الاعتقالات، تأتي متصادمة تماما مع موجة النجاح و التفاؤل التي تبلورت في الفترة الأخيرة، و تأتي فاقدة لكل منطق و كل تبرير، و تأتي في وقت يستنفر فيه الاحتلال الإسرائيلي إلى حد الهستيريا ضد أجواء المصالحة و إجراءاتها المتصاعدة على الأرض، و أن هذا الاستنفار الإسرائيلي يصل إلى حد القصف شبه اليومي، و التهديد بعدوان واسع فما هي الحكاية? و هل الأجهزة الأمنية فالتة على رأسها، و لها رؤيتها المختلفة، و لها سياق مغاير ؟؟؟ أم أن الموضوع كله ليس سوى مشاكسة تسبب الألم و المهانة و الاحتقان في ساحتنا الوطنية من جديد.

أتمنى أن تجري المراجعات الصريحة حول هذا الموضوع، و خاصة أن الأخ الرئيس أبو مازن أصدر توجيهات صريحة بالالتزام الشديد و دقة الحسابات في موضوع الاعتقالات، كما أن الأخ أبو الوليد خالد مشعل أعطى تعليمات واضحة حول موضوع الاستدعاءات و الاحتجازات و الاعتقالات، حتى لا يتحول إلى ألغام في الطريق، و قنابل موقوتة تفجر في اللحظات الحرجة, أوقفوا هذه الاستدعاءات, أوقفوا هذه الاحتجازات, أوقفوا هذه الاعتقالات, أوقفوا هذه الاستفزازات، أوقفوا هذه الاعتداءات على أمل المصالحة، و انتبهوا، حتى نتمكن فلسطينيا من الإجابة العميقة و الدقيقة و الحاسمة على أسئلة الزمن الذي نجتازه الآن، و نحن ذاهبون إلى استقلالنا، و هو الزمن الأصعب .