يبدو ان اسماعيل هنية، رئيس الحكومة السابق، عضو قيادة حماس، مأخوذ في رحلته السياسية، خاصة وهو يلتقي مع المرشد العام للاخوان المسلمين في القاهرة، والاستقبال والحفاوة التي لم يعهدها من قبل، ومع الانجازات والانتصارات التي تحققها جماعة الاخوان المسلمين في اكثر من ساحة وبلد خاصة في جمهورية مصر،الشقيقة الكبرى. فأطلق العنان لخطاب سياسي ينم عن جهل وعدم دراية، حين اعتقد أن الانقلاب الاسود على الشرعية الوطنية قبل خمسة اعوام خلت، شكل عامل «تفجير» للثورات العربية؟! فالانقلاب كان لعنة على الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وهذا ما اعلنه قبل ايام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، الذي اكد ان الانقلاب والانقسام أَضر بالجميع، وهو ليس بضاعة فلسطينية، ويجب العمل على التخلص منه بالمصالحة الوطنية.

فكيف الجمع والتوفيق بين ما قاله اسماعيل هنية، وبين ما قاله ابو الوليد؟ ألا يعكس ذلك عدم وجود خطاب سياسي واحد حول هذه النقطة او تلك في مركز قرار حركة حماس؟ ألا يعكس ذلك تنازع مراكز القوى فيما بينها على الاستئثار بالقرار خاصة بين قيادة حركة حماس في غزة وبين قيادة الحركة في الشتات؟ والم يبادر سابقا الدكتور محمود الزهار لتفجير المسألة في ايار الماضي في اعقاب توقيع الحركة على ورقة المصالحة المصرية، حين رفض الزهار ما اعلنه خالد مشعل من إعطاء فرصة للتفاوض السياسي ؟ وكيف لانقلاب اسود دمر حياة الفلسطينيين ان يكون عامل إشعال للثوات العربية؟ خمسة اعوام طوال مرت يا سيد هنية ولم تتحرك الساحات العربية، ولكن بعد إشعال محمد بوعزيزي جسده النحيل في 17/12/2010 في تونس امتدت نيران الثورة من تونس الى مصر الى ليبيا الى اليمن وسوريا والبحرين.

ويحرص على دغدغة عواطف اقرانه من الاخوان المسلمين في مصر وغيرها حين يتطاول ويحرض على الرئيس ابو مازن في ظل الاجواء الايجابية التي تركتها الخطوات الاخيرة في القاهرة على تقدم عربة المصالحة للامام، فيعتبر نفسه اكتشف الذرة بعد لقائه مع امين عام الجامعة العربية، بالقول ان الرئيس ابو مازن استلم (35) مليون دولار لأجل اعادة التعمير، وردد خلفه كالببغاوات كل من يوسف رزقة وطاهر النونو، وكأن المبلغ ذهب الى جيب الرئيس؟ او كأن اسماعيل هنية احرص من الرئيس محمود عباس على مصالح ابناء الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة؟ وعلق على ذلك الاخ عزام الاحمد بالقول ، نعم استلم الرئيس (32) مليون دولار، واسماعيل هنية، استلم الـ (3) ملايين دولار. اين المشكلة في ذلك؟ المرصود لاعادة اعمار القطاع في مؤتمر شرم الشيخ اكبر بكثير، وما زالت الاموال في الودائع لحين بلورة المصالحة لتتمكن الحكومة الفلسطينية القادمة من الشروع باعادة الاعمار الحقيقية لما دمره العدوان الاسرائيلي اعوام 2008- 2009.

وعود على بدء، فإن الشيخ اسماعيل هنية يبدو انه ما زال يتهجى علوم السياسة، وبالتالي عليه ان يدقق قبل ان يدلي بتصريح هنا او تصريح هناك، حتى لا يرتكب اخطاء سياسية. لان الانقلاب وصمة عار ستطارد حركة حماس وحركة الاخوان المسلمين على مدار التاريخ القادم من عمر الشعب الفلسطيني. والامارة زائلة بفضل الجهود الوطنية، والحرص المشترك من الكل الوطني على طي صفحتها الموحشة في السجل الوطني. وايضا عليه ان يتريث قليلا في الادلاء بتصريحاته، حتى اذا شاء ان يغمز من قناة قيادة حركة حماس في الشتات، حتى لا يبدو فجا كالزهار.

وليدرك الاخ ابو العبد ان الجمعة المشمشية، للتيارات الاسلامية خاصة حركة الاخوان المدعومة من اميركا والغرب عموما كما اعلنت امس الاول كاثرين آشتون، وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي، لن تطول. لانهم لن يتمكنوا من تقديم برنامج وطني ديمقراطي يدفع باتجاه تحقيق اهداف الثورة الوطنية، والوصول الى الدولة المدنية، دولة كل مواطنيها. وبالتالي الافتراض ان مشروع الامارة في قطاع غزة سيعمم على الدول العربية لن يكون له نصيب في الواقع، والنجاحات الحاصلة، وهي نجاحات حقيقية، ستزول مع اول معركة سياسية / اقتصادية واجتماعية، كما حصل في القطاع. وبقاء الانقلاب الاسود في محافظات غزة ليس بفضل شجاعتكم وانما بفضل بؤس وتهالك حركة فتح والقوى الوطنية الاخرى خاصة اليسار الفلسطيني، الذي غاب عن الوعي أكثر من حركة فتح..