مثلت عملية "نحشون" الفصل الأول من خطة "دالت" الصهيونية للتطهير العرقي خلال حرب عام 1948، والتي اعتبرت مذبحة دير ياسين المحطة الأبشع فيها. كان هدف العملية السيطرة على القرى الفلسطينية الواقعة غرب القدس وطرد سكانها، وذلك لضمان السيطرة على الطريق إلى يافا وتل أبيب، تمهيدًا للاستيلاء على القدس ذاتها، أو على الأقل أحيائها الغربية، والتي بالفعل حولتها إلى مدينة أشباح في الأسابيع اللاحقة للمذبحة.
في تلك الليلة، وكما هي عادة المجرمين واللصوص، اقتحمت دير ياسين قوة مشكلة من عصابتي الإرغون وشتيرن الصهيونيتين المتطرفتين، بالتنسيق الكامل مع الهاغاناه، وقامت عند الفجر بقتل عشرات الأطفال والنساء والشيوخ وأحرقت البيوت ودمرتها، وطردت ما تبقى من سكانها إلى خارج القرية والتوجه شرقًا. كان الهدف هو زرع الرعب في كل قرى المنطقة، وحتى في فلسطين كلها؛ لأن عملية "نحشون" كانت البداية الفعلية لعملية تطهير عرقي واسعة النطاق نفذتها العصابات الصهيونية في عموم فلسطين، من شمالها إلى جنوبها.
دوافع التطهير العرقي تكمن في جوهر الفكرة الصهيونية، فهذه الحركة حددت منذ نشأتها الأولى هدفًا وهو أن فلسطين لليهود حصرًا، وهو الهدف الذي حققته بشكل شامل خلال حرب 1948، والتي نجمت عنها نكبة الشعب الفلسطيني، تدمير المجتمع الفلسطيني بالكامل وتحويل أكثر من نصفه إلى لاجئين (أكثر من 800 ألف لاجئ). ففكرة أن تكون فلسطين حصريًا لليهود تعني أساسًا تحول الشعب الفلسطيني إلى لاجئين خارج وطنهم التاريخي.
وفي سياق خطة "دالت"، التي وضع بن غوريون مع عشرة آخرين من قادة الحركة الصهيونية وضباط من الهاغاناه اللمسات الأخيرة عليها ليلة العاشر من آذار/ مارس 1948 في تل أبيب، تم تطهير وتدمير 530 قرية فلسطينية، بالإضافة إلى 11 مدينة وأحياء سكانية حضرية في مناطق متعددة من فلسطين. وجاءت خطوت التطهير العرقي تتنقل من حيفا إلى طبريا فصفد، ومن ثم إلى يافا وعكا وبيسان، تم خلالها تفريغ الريف الفلسطيني، ومناطق واسعة في الجليل.
واستغلت الهاغاناه والمتحالفون معها الإرغون وشتيرن دخول الجيوش العربية في 15 أيار/ مايو لاستكمال سلسلة المذابح والطرد وتدمير القرى الفلسطينية، فالحرب الحقيقية التي جرت في عام 1948 هي عميلة التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني والاستيلاء على أرضه.
في القانون الدولي، يعتبر التطهير العرقي جريمة ضد الإنساتية، والتطهير العرقي بات له تعريف متفق عليه، وهو عمليات طرد سكان من مناطق لتصبح تحت سيطرة إثنية أخرى بشكل منفرد، وتتضمن عمليات التطهير العرقي، أساسًا طرد سكان وهدم منازلهم وإحراقها، أي مسح تاريخ شعب من الجغرافيا وإسكان شعب آخر. والتطهير العرقي قد يتم بعدة طرق منها، الطرد المباشر بالقوة، أو بالتهديد وبث الرعب، أو حتى طرق غير عنيفة.
مذبحة دير ياسين كانت واحدة من النماذج الأكثر تطرفًا، تمامًا مثل مذبحة الطنطورة، وعين الزيتون وغيرها العشرات من المذابح والمجازر، التي نفذتها العصابات الصهيونية بهدف نشر الرعب في نفوس الفلسطينيين ودفعهم للمغادرة.
من قام بجريمة التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، هم أشخاص معروفون وأسماؤهم معروفة، والضباط والجنود الذين نفذوا الأوامر، ممن قتلوا وذبحوا ودمروا، هم أيضًا معروفون، وبعضهم أصبحوا فيما بعد مسؤولين في حكومات إسرائيل، بل ورؤساء حكومات. المشكلة أن أيًا منهم لم يحاسب ولم يطارده القانون الدولي، فجرائم التطهير العرقي لا تسقط بالتقادم، إنها سياسة ازدواجية المعايير، التي وضعت إسرائيل كدولة فوق القانون والمحاسبة.
ومع ذلك، فإن إسرائيل تدرك أن فكرة فلسطين حصرًا لليهود قد سقطت بحكم الواقع، واليوم قد يزيد الفلسطينيون في عددهم عن اليهود في المنطقة من البحر إلى النهر، فإسرائيل تقف اليوم أمام العالم ليست كدولة نشأت من تاريخ أسود أساسه التطهير العرقي، بل هي اليوم دولة فصل عنصري. وما لم تتخل إسرائيل عن صهيونيتها الفاشية العنصرية فإنها ستبقى في حالة صراع مع الشعب الفلسطيني، ومع العالم الحر.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها