كانت حركة االتحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وما زالت العمود الفقري للجسم الوطني، تميزت بتنوع التوجهات السياسية والآيديولوجية والتنظيمية والفكرية الثقافية، حتى أن اتجاهات فلسطينية متباينة كانت متناحرة في ساحة الأحزاب العربية وجدت الفرصة المناسبة للعمل الوطني، فتشكلت لوحة فسيفسائية سياسية وطنية عكست تنوع توجهات الشعب الفلسطيني بكل شرائحه .
ضمت حركة "فتح" الوطنية في إطارها التنظيمي، الصقور والحمائم، يساريين ويمينيين، حتى أن قادة في حركة "فتح" وصلوا لمناصب قيادية كانوا محسوبين على اليسار كعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" الشهيد ماجد أبو شرار، وتصدرت خلال العمل النضالي والعسكري الكثير من الأفكار التقدمية والمبادرات الخلاقة والبناءة، مثل الكتيبة الطلابية التي اتخذت فيما بعد اسم كتيبة الجرمق وأغلب عناصرها من الكتاب والمثقفين المعروفين ليس على صعيد الساحة الفلسطينية وحسب بل في الساحة العربية.
اليوم تواجه الحركة امتحان احتواء حركات تستخدم الدين ولها طموحات انفصالية ولغة إقصائية بحتة وتقدم نفسها وكأنها تمتلك مفاتيح الجنة، ونقصد حركة "حماس" التي ألحقت الضرر بالحالة الوطنية الفلسطينية وبالقضية الفلسطينية، فمهمة تحرير الإنسان الفلسطيني تتطلب تضحيات وقرارات صعبة، لتخليص المغرر بهم من قبضة جماعة الإخوان المسلمين تحت عنوان حماس.
أما على صعيد العلاقة مع الدول العربية فيمكننا رؤية الفارق الهائل بين تعامل حركة "فتح" الوطنية الفلسطينية مع الأحداث في سوريا، وبين تعامل جماعة "حماس" المرتبطة عضويًا بجماعة الإخوان المسلمين، فقيادة حركة "فتح" بذلت ما تستطيع لتجنيب البلاد الحرب، من باب الحرص على سوريا ووحدة شعبها وأرضها تحت عنوان الدولة.
وانطلاقاً من عدم التدخل في شؤون الدول العربية، وللحفاظ على مكانة اللاجئ الفلسطيني الذي يعامل كالمواطن السوري في معظم الحقوق كالتوظيف والعمل والصحة وتمنحه ذات الميزات، أما "حماس" التابعة للإخوان المسلمين وفرعهم في فلسطين، فقد أعلنت انحيازها بشكل مطلق للإخوان المسلمين ضد حليفها الأوثق سوريا، فأيّدت الجماعات السورية المتطرفة المسلحة وتورطت في دعمها، حسب معلومات نشرها الكثير من المسؤولين والصحافيين السوريين، ليس هذا وحسب، بل إن رئيس مكتبها السياسي السابق خالد مشعل رفع علم المعارضة في غزة عندما زارها بتنسيق مصري قطري وتغاضٍ إسرائيلي، فبدأ حملة توريط الفلسطينيين وقضيتهم بصراعات داخلية عربية، عندما جاهرت حماس باستعداء الدولة السورية، وحرفت بوصلة بندقيتها نحو الشقيق السوري، الذي قدم الكثير لقيادة "حماس"، ومنحها ميزات ذهبية.
أما حركة "فتح" فقد تعاملت بمسؤولية وطنية وقومية مع الأزمة السورية، وتجسيدًا للقرار الوطني الفلسطيني المستقل، وهنا من المهم التذكير برفض سيادة الرئيس أبو مازن الإملاءات الأميركية حين طالبته الإدارة الأميركية بعدم حضور قمة دمشق في 2008، وشارك في القمة إعلاء للمصلحة الفلسطينية والعربية معًا وهذا ما حدث بالفعل.
اليوم تشهد العلاقات بين سورية ودولة فلسطين وبين حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" والحكومة السورية خطوات متقدمة نحو تعزيزها، خاصة بعد مساهمة حركة "فتح" في عملية مكافحة وباء كورونا بتعقيم المخيمات الفلسطينية والمرافق الحيوية فيها وتوزيع المعقمات على قاطنيها ولم يقتصر هذا النشاط المخيمات الفلسطينية على امتداد الجغرافيا السورية بل طال بعض أحياء العاصمة السورية دمشق.
لقد عمل سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن، وطبقًا لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة والصديقة على أن يظل شعبنا الفلسطيني عموما والمقيمين على الأراضي السورية خصوصًا في منأى عن الصراع الداخلي السوري، لكن تدخلات حماس وجماعات وفصائل أخرى في المخيمات، وتحديدًا في اليرموك كانت سباقة. واعتبروا " مخيم اليرموك بوابة فتح دمشق" !.
ورغم ذلك استمر سيادة الرئيس أبو مازن بمساعيه وقد كتب الصحفي والإعلامي اللبناني سامي كليب مقالاً كشف فيه وثائق عن بحث سيادة الرئيس عباس عما يصلح ذات البين السوري ويضمن وحدة أرض سوريا وسلامة وأمن واستقرار شعبها .
لقد استعادت حركة "فتح" حضورها القوي وشعبيتها في سوريا، وما المهرجان الخطابي في النادي العربي بقلب عاصمة الشتات( مخيم اليرموك ) بذكرى استشهاد الزعيم الرمز ياسر عرفات إلا انعكاس طبيعي لهذا الخصوص
فحركة فتح تعتقد بوجوب بقاء سوريا موحدة قوية لما في ذلك من تأثير إيجابي كبير على الساحة الفلسطينية وعكس ذلك يحمل تأثيرا سلبيا على القضية الفلسطينية.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها