بقلم: وعد الكار
على عكس الأعوام السابقة، لم تتزين بيت لحم بشجرة الميلاد أو أضواء الفرح، بل عاشت أجواءً يطغى عليها الحزن تضامناً مع قطاع غزة، حيث تتعرض الأرواح البريئة لإبادة جماعية في مشهد يهز الضمير الإنساني.
مدينة بيت لحم، مهد السيد المسيح، تعيش ظروفًا صعبة، كغيرها من المدن والبلدات والقرى والمخيمات في فلسطين، نظرًا للاعتداءات الإسرائيلية والجرائم المتواصلة بحق أبناء شعبنا وتداعياتها على الواقع المعيشي والاقتصادي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
بيت لحم التي تحتفل هذا العام بعيد الميلاد وسط أجواء من الحزن، تظل شاهدة على معاناة الفلسطينيين وسعيهم الدائم إلى السلام. في كل ترنيمة ودمعة وشمعة، كانت الرسالة واحدة، السلام سيظل هدفاً، والمحبة أقوى من كل الظلم.
في الساحة أمام الكنيسة، كان عدد الحضور قليلاً مقارنة بالأعوام الماضية. لم يكن هناك احتفال بالمعنى التقليدي، بل كانت القلوب مثقلة بالحزن.
غابت مظاهر الزينة والشجرة الضخمة التي طالما زينت ساحة المهد، وحل محلها شعور بالتضامن العميق مع أهالي غزة، حيث تشكلت حلقات من الصلاة من أجل وقف نزيف الدم وتحقيق العدالة.
اقتصاد المدينة يعاني أوضاعًا صعبة للغاية، خاصة أنه يعتمد على قطاع السياحة، والصناعات اليدوية والحرفية التي انقطعت بشكل كبير في ظل العدوان المتواصل على شعبنا، الأمر الذي تسبب في توقف عدد كبير من المشاريع عن العمل، وإغلاق المنشآت، ما ساهم في ارتفاع نسبة الفقر.
في هذه الأجواء التي جمعت بين قداسة المناسبة وثقل الأحزان، بدا واضحاً كيف أن بيت لحم تظل رمزاً عالمياً للمحبة والسلام. لكن هذا العام، كانت الرسالة أكثر عمقاً، إذ أظهرت المدينة تضامنها مع غزة من خلال تقليص مظاهر الفرح والتركيز على الجانب الروحي للعيد.
وصل موكب بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، إلى بيت لحم قادماً من القدس المحتلة حسب الستاتيكو المتبع، لترؤس قداس منتصف الليل لمناسبة عيد الميلاد المجيد وفق التقويم الغربي.
رغم الظروف القاسية، فقد كان هناك استقبال رسمي لبطريرك القدس على بلاط كنيسة المهد، بحضور عدد من الشخصيات الرسمية والدينية، إلى جانب عدد من القناصل والسفراء وممثلي المؤسسات الأمنية والرسمية.
وأكد الكاردينال بيتسابالا في كلمة له لحظة وصوله، أن عيد الميلاد هذا العام يحمل رسالة محبة وسلام في وقت تشتد فيه الحاجة إلى إنهاء الحروب وإحلال العدل والكرامة الإنسانية، إذ إنه للسنة الثانية يمر على بيت لحم ميلاد حزين، والمحلات التجارية مغلقة والمدينة حزينة.
وأشار إلى أنه زار غزة أمس، وشاهد الدمار الشامل، ولكن في الوقت ذاته لاحظ إرادة شعبنا القوية هناك، الذين لن يستسلموا لكل الدمار والخراب.
وأكد الكاردينال بيتسابالا أنه لا يوجد أمام شعبنا سوى الإيمان والأمل بغدٍ أفضل، مشددًا على أن شعبنا ينتمي إلى النور وليس إلى الظلام.
على هامش الاحتفال، تحدثت المعلمة ليلى شاهين عن مشاعرها المتناقضة بين روح العيد والحزن على ما يجري، وقالت: "في العيد، نحن معتادون على مظاهر الفرح، ولكن كيف يمكن أن نفرح بينما يُقتل أطفال غزة يومياً؟ حضورنا هنا اليوم هو صلاة لأجلهم ولأجل أن تعود فلسطين أرضاً للسلام".
أما يوسف ناصر، وهو صاحب متجر صغير قرب كنيسة المهد، فقال: "هذا العيد مختلف. كان المحل يعج بالزوار والسياح في مثل هذه الأيام، أما الآن فالشوارع شبه خالية. قلبي مع غزة، لكنني أتيت اليوم لأشارك في القداس، وأدعو أن تكون هذه آخر الأحزان".
من جانبه، تحدث حنا إبراهيم، وهو شاب يعمل سائق تاكسي في بيت لحم: "نحن هنا في بيت لحم نعيش أجواء عيد الميلاد، لكن الغصة في قلوبنا كبيرة. لا يمكن فصل فرحتنا بالعيد عن الألم الذي يعيشه أهلنا في غزة. نشعر أن الصلاة هي أقل ما يمكن أن نقدمه".
وأعرب وزير السياحة والآثار هاني الحايك عن أمله في أن يحمل عيد الميلاد بصيص أمل للشعب الفلسطيني، قائلاً: "هذا العيد يأتي في ظل ظروف استثنائية. نحن في بيت لحم أردنا أن نعبر عن تضامننا مع غزة، ولهذا غابت الزينة والاحتفالات العامة. ومع ذلك، نحاول أن نُظهر للعالم أن شعبنا يحمل رسالة سلام ومحبة، رغم الألم".
وتحدث رئيس بلدية بيت لحم أنطون سلمان عن قراره بعدم وضع شجرة الميلاد هذا العام، قائلاً: "كان من الصعب علينا أن نحتفل وسط هذه المأساة. بيت لحم ليست منفصلة عن غزة، ونحن أردنا أن نعبر عن وحدة الحال بين كل الفلسطينيين. العيد بالنسبة إلينا هذا العام هو صلاة لأجل أرواح الشهداء وأمل في أن ينتهي هذا الظلم".
أما محافظ بيت لحم محمد طه أبو عليا، فأكد أن الأوضاع في بيت لحم تعكس الواقع الفلسطيني بأسره، قائلاً: "نعيش هنا في بيت لحم أجواء عيد الميلاد، ولكن في قلوبنا حزن كبير. مسؤوليتنا أن نعمل على تأمين الأجواء المناسبة للشعائر الدينية، لكننا نعلم أن الغصة موجودة في كل بيت. رسالتنا للعالم أن الشعب الفلسطيني يستحق حياة أفضل، خالية من الحروب والاحتلال".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها