الشاعرة الفلسطينيَّة نهى عودة
الأسير المُحرَّر جمال أبو محسن (5)
تُعرف الشاعرة الفلسطينية "نهى شحادة عودة" في المجتمع الأدبي العربي باسم "ياسمينة عكَّا"، أبصرت النور في مُخيّمات اللاجئين في لبنان ذات يوم مُندسٍّ بين أعوام ثمانينيات القرن الماضي، وتعود أصولها إلى قرية شعب في قضاء عكّا بفلسطين.. هي ناشطة ومناضلة من أجل الحفاظ على الثقافة والذاكرة الفلسطينية وضمان توريثها لأجيال اللاجئين.. نشرت رواية واحدة وعددا من الدواوين الشعرية، وخصّت جريدة "الأيام نيوز" بمجموعة من القصاصات التي أودع فيها الأسرى المُحرّرون الفلسطينيون بعض ذكرياتهم في رحلة العذاب..
مرَّت الأيام في السجن حاملةً القهر والأسى، أيامٌ تعيد نفسها ونحن لا نفعل شيئًا سوى ممارسة الصبر، فإيماننا مطلق بأنّ الحلّ من عند الله، والعدل عنده فقط، ونصره آتٍ لا محالة.
في العام 1993، تم توقيع اتفاق "أوسلو"، وأُفرِج عن أعدادٍ من الأسرى، لكن لم يشملني الإفراج، كان لديّ بصيص أمل بأن يكون اسمي بين المُحرَّرين لكنه لم يحصل، وهذا لم يُنقِص من سعادتي بعودة الأسرى إلى ذويهم وأطفالهم. وفيما بعد نُقلِت مع مئات الأسرى إلى سجون الداخل (عسقلان).
في العام 1995، بدأتُ بالدراسة وطلب العلم من جديد، واجتهدت كثيرا حتى أنهيتُ مرحلة الثانوية العامة وأنا في الأَسر.
في العام 2002، كان حلمي ما يزال أمامي وأنا أكثر تصميمًا وعزمًا وإرادة في مجال التعليم والدراسة. كنت أستغرق في الدّراسة لأوقات طويلة، وصمّمتُ على تجاوز مرحلة البكالوريوس في "الجامعة العبرية"، وهذا ما حصل، فقد تخصّصتُ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
عام 2010، وهو ما أسمّيه "عام الفَقد"، كان العام الأقسى عليّ في حياتي، فقد توفيت والدتي وأنا داخل السجون.. كانت التجربة الأصعب والأقسى، وهي الأصعب على كل الأسرى. نزل عليّ خبر وفاة والدتي كالصاعقة، لم أستطع تخيّل المنزل من دونها، فهذه أمّي التي لوَّعها الأسرُ الظالم لولدها وكانت تنتظره كل يوم بفارغ الصبر أن يعود، ولكنها فارقت الحياة دون أن تتوّج دموعُها ذلك الأمل..
في عام 2012، توفي والدي، وكان فقدان أبي قسوةً أخرى من هذه الحياة الظالمة التي بدت وكأنها تحالفَت مع العدو.. وبذلك فقدتُ أبي وأمّي وأنا قابع في السجون، وهذه هي أصعب المراحل في حياة الأسير وأوجعها على قلبه.. فالأمل بالتحرّر من السجن يبقى حيًّا، ولكن ملاقاة الأمّ والأب هو الأمل الذي لا يُمكننا أن نجدّده عندما نفقدهما.
في عام 2011، تم منع الأسرى من مواصلة تعليمهم بعد قانون "جعلاد شاليط". هذا القانون منع الأسرى من التعليم وزيارة الأهالي لهم وقراءة الصحف.. وشدّد الخناق على الأسرى الأبطال في السجون لكنني في العام ذاته حصلت على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية.
في العام 2012، أنهيت درجة الماجستير، ولقد تخصّصتُ في الدراسات الإقليمية انتسابا في جامعة القدس (أوديس). وبعد أن تم اعتقال الأخ القائد "مروان البرغوثي"، أشرف هو على تدريسنا كونه كان حاصلا على درجة الدكتوراه وهو في الأسر.
كان الإضراب عن الطعام من أشكال مقاومة الأسرى للقهر المُسلّط عليهم في السجون والمعتقلات، وإن كان الإضراب لا يُحقّق نتائج تُذكر فإنه كان يكشف للعالم وحشية الكيان الصهيوني وعبثه بكل القوانين الدولية والإنسانية. وخلال فترة اعتقالي، شاركتُ الأسرى في سبعة إضرابات مفتوحة عن الطعام طويلة الأمد، وكنّا نكتفي بالماء والملح، ويدوم الإضراب الواحد إلى أيام طويلة نُشرف فيها على الموت، وبعضنا تتدهور صحّته وتُصيبه الأمراض المزمنة..
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها