سقط نتنياهو وترك رغما عنه كرسي رئيس الوزراء لهذه الدولة العجيبة الشاذة إسرائيل، التي عمل صناعها الأقوياء في زمانهم، بريطانيا العظمى أولاً ثم أميركا بعد ذلك وحتى الآن، وعمل صناعها الأوائل على أن تكون بشكلها الراهن، دولة بالاسم فقط، وعصابة في الحقيقة، وهي الآن في ذروة هذا التكوين الشاذ، فهي كدولة تهرب من الاعتراف بأي حيثيات للقانون الدولي، فتجعل نصفها الآخر العصابة يتصدر المشهد، وهكذا دواليك، ونحن في هذه المرحلة نعيش أقصى تسيد لنموذج العصابة على نموذج الدولة في إسرائيل، لكن هذا التسيد لا يعفيها من حتمية السؤال الكبير، وماذا عن الشعب الفلسطيني، الذي منذ صدور قرار التقسيم رقم 981 لعام 1947، وأنتم تتهربون منه، ولا تنفذونه لا أنتم ولا الدول الكبرى التي صاغته وفرضته على الجميع؟؟؟ نبوءاتكم خابت بالكامل، والشعب الفلسطيني الذي حولتموه إلى شعب لاجئ أو عرب إسرائيل، وسرقتم كل تفاصيل ملكيته الثقافية والفنية، ابتداء من تطاريز الحرير على ثياب نسائه، إلى طعام المفتول والكسكسي، حين ادعيتم أنها جزء من تراثكم، فماذا عن هذا الشعب الفلسطيني الذي مات كباره لكن أطفاله الذين صاروا كباراً لم ينسوا، وظلت المواجهة قائمة، وحاولتم التمويه والهروب من الحقيقة، لكن حقيقة هذا الشعب لا تموت، لا على أيديكم ولا على أيدي الخائنين بالمجان لعنهم الله وأورثهم العار والذل إلى أبد الآبدين.
المشهد الذي تعيشه إسرائيل في عهد حكومة يائير لبيد مرتبك جداً، ولذلك تحاول إسرائيل التقدم من خلال نموذج العصابة، القتل الميداني، هدم البيوت، مصادرة الأرض بالدبابة وكل أشكال القوة، إعطاء القيادة لحرامية الأرض وهم المستوطنون، توجيه إنذارات لدول المنطقة، منهم من يدفن رأسه في الرمال، ومنهم من يواجه الإنذار بالإنذار، وبرغم أن الدول الأوروبية هي أول من استجلبت النموذج الخرافة إسرائيل للمنطقة لتكون أداة في يدها للبقاء، إلا أنها رحلت مرغمة وبقيت أداتها إسرائيل وتكاليف بقائها باهظة، هذا هو سبب الارتباك والخوف الإسرائيلي، وهذا هو سبب الغياب الدولي للأوروبيين عن محاور الوجود الحقيقي، حتى أميركا لم تعد تصدق تهديدات إسرائيل، إسرائيل وجدت أساساً كأداة ليس إلا، وليس من السهل أن تتحول الأداة إلى مقرر، وهذا هو المأزق الحقيقي، والشعب الفلسطيني، صاحب القضية، وصاحب الحق، موجود بحضور كامل، والحضور الكامل لا يعني عدم وجود منغصات صغيرة، بل يعني أنه مهما اتخذ الصراع من أشكال، فإن هذا الشعب صاحب التجربة، المعجون مع المفاجآت الكبرى، هو شعب موجود، بعبقرية فائقة، بحضور واعٍ، وبقدرات استثنائية، إسرائيل تحاول أن تجر أصدقاءها الذين حالفوها في الأساس لكي يخوضوا معركتها، لكن الحسابات اختلفت، والمخاوف ازدادت، وقيادة القطب الواحد أصبحت من خرافات الماضي.
المطلوب من المنطقة، الضائعة وسط تسربات الشقوق، أن تحافظ على ذاتها، وأن تبذل مجهوداً حقيقياً لمعرفة الفرق بين الحقائق والأكاذيب لم يخلقنا الله سدى، والمطلوب بسيط وصعب في آن واحد، ألا نقع فريسة سهلة لأكاذيب إسرائيل، والذين صنعوا إسرائيل.

المصدر: الحياة الجديدة