نحن في حضرة عيد الميلاد المجيد، لرسوم السلام والمحبة السيد المسيح عليه السلام، تواصل دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية التهجم والإساءة والتطاول على نيافة بابا الفاتيكان فرنسيس الثالث، وفي محاولة يائسة لتبرئة ذاتها من الوحشية غير المسبوقة في الزمن المعاصر، والإبادة الجماعية التي ما زالت مستمرة ضد الشعب الفلسطيني، غير عابئة بالقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وقرارات الشرعية الأممية، ورافضة الاستماع لصوت الرأي العام العالمي الرافض لحربها الهمجية والقذرة على الأطفال والنساء بذرائع وهمية، وفي اجتزاء لتاريخ الصراع، وفصل مراحله بشكل تكتيكي رغبوي للهروب من استحقاقات السلام والتعايش، وجنوحًا نحو حرب الأرض المحروقة في عملية تطهير عرقي ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ونفيه من أرض وطنه الأم، وتجسيد هدف المشروع الإجلائي الاحلالي الصهيو غربي وشعاره الناظم "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".
وتكريسًا لخيار الإبادة تطارد الدولة الإسرائيلية الخارجة على القانون الدولي كل صوت في العالم يصف الواقع الماثل في قطاع غزة، كما يشاهده على الفضائيات ويقرأ حجم الفظائع والعمليات اللا إنسانية في القطاع من وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها، ومن وكالات الأنباء العالمية، فقط لمجرد وصف الواقع، أو لكل مطالب بوقف الإبادة الإسرائيلية الأميركية ضد الشعب الفلسطيني، بأنه "معاد للسامية"، و"متجني على الحقائق".

وهذا ما حصل بعد إلقاء بابا الفاتيكان فرنسيس الثالث خطابه السنوي بمناسبة عيد الميلاد المجيد أمام كرادلة كاثوليك يوم السبت 21 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، الذي جاء فيه "بالأمس تم قصف الأطفال (الجمعة في غزة) واصفًا ذلك بالوحشية، وأكد أنها ليست حربًا، "أردت أن أقول ذلك، لأنه يمس القلب". وأضاف أن بطريرك القدس للاتين حاول دخول قطاع غزة الجمعة لزيارة الكاثوليك هناك، لكنه منع من الدخول. وعرض مشهد ميلاد يصور السيد المسيح عليه السلام ملفوفًا بالكوفية، التي تعد رمز الوطنية الفلسطينية، ودعا المجتمع الدولي إلى دراسة ما إذا كان الهجوم العسكري هناك يشكل إبادة جماعية للفلسطينيين، وجاء خطابه بعد غارات إسرائيلية أودت بحياة 25 فلسطينيًا على الأقل في غزة يوم الجمعة. مع أن نيافته لم يذكر حجم الفظائع الهائلة التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء عمومًا من ويلات الإبادة الجماعية في فلسطين عمومًا وقطاع غزة خصوصًا.
وعلى إثر ذلك، شنت وزارة الخارجية الإسرائيلية هجومًا على تصريحات البابا فرانسيس، بشأن وحشية الحرب في قطاع غزة، ووصفتها في بيانها الذي أصدرته بأنها "منفصلة عن الواقع". وجاء في بيان خارجية دولة الإبادة الجماعية "هم الذين يختبئون وراء الأطفال، بينما يحاولون قتل أطفال إسرائيليين، العنف هو احتجاز مئة رهينة لمدة 442 يومًا". وتابع البيان المزور للحقائق وتاريخ الإبادة "ولسوء الحظ اختار البابا تجاهل كل هذا، فضلاً عن حقيقة أن تصرفات إسرائيل كانت موجهة ضد الذين استخدموا الأطفال كدروع بشرية. تصريحات البابا مخيبة للآمال، لأنها منفصلة عن الواقع والسياق الفعلي لسياسة إسرائيل".

هكذا قلبت الخارجية الإسرائيلية الحقائق، وزورت الواقع المعطي والإبادة الجماعية التي أودت بحياة ما يتجاوز الخمسة وأربعين ألف شهيد وما يفوق عن مئة ألف جريح من الأطفال والنساء والشيوخ، وأغمضت العين عن سابق تصميم وإصرار على تاريخ الإبادة والعنصرية والتطهير العرقي واعتقال ما يزيد عن 15 ألفًا من الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني عمومًا بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ودمرت بشكل شبه كامل الوحدات السكانية، ودمرت أبسط معالم الحياة الإنسانية في مدن وقرى ومخيمات القطاع، وتعمل بشكل منهجي ومخطط في محافظة شمال غزة على إبادة منفلتة لإجبار المواطنين الفلسطينيين على النزوح والتهجير القسري إلى مناطق أخرى داخل القطاع، بعد أن فشل مشروعها في التهجير القسري لخارج محافظات الجنوب، ويتباكى على مئة رهينة، ويتناسى آلاف المعتقلين الفلسطينيين، الذين مارسة ضدهم أبشع أشكال السادية في باستيلات ومعتقلات إسرائيل الوحشية، والتي تفوقت على أفران المحرقة النازية الهتلرية في الحرب العالمية الثانية، وأسقطت الخارجية الإسرائيلية في بيانها، أو بياناتها تاريخ الصراع الطويل الممتد على مساحة ثمانية عقود طوال.

من المؤكد أن دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية المحاصرة والمعزولة عالميًا، وحتى في الداخل الإسرائيلي لن تنجح في حرف بوصلة الرأي العام العالمي عن الحقيقة، بعدما كشفتها الإبادة الجماعية على حقيقتها كدولة فوق النازية، ودولة إبادة جماعية، باتت تهدد السلم والأمن الإقليمي والعالمي، وهجومها على بابا الفاتيكان لن يثنيه ولن يثني غالبية الكنائس المختلفة من قول الحقيقة، ومواصلة دعوتها لوقف الإبادة الجماعية عن الشعب الفلسطيني.
وكل عام واتباع الديانة المسيحية في العالم بخير بعيد ميلاد رسول السلام والمحبة، الذي آمل أن يكون موعدًا للسلام والمحبة ووقف الإبادة على الشعب الفلسطيني وحريته واستقلاله وتقرير مصيره وعودته إلى وطنه الأم فلسطين العربية.