مساء الخميس، ولأول مرة استمعت مع حشد من قادة الرأي والأكاديميين والمثقفين وقادة من المجتمع المدني إلى محاضرة لسيادة الرئيس أبو مازن، لخّص فيها رؤيته لجذور القضية الفلسطينية والمسألة اليهودية، والتي كان قد شرحها بالتفصيل في كتبه المنشورة، لكنه كثّفها وطرحها على مدار ساعتين، برؤية أكاديمية سياسية، وبتركيز أدهشني، قسمها إلى حقب وتواريخ، عرض أهم ما حصل  في كل حقبة وخلفياتها، وبوجع الفلسطيني، صاحب الحق والأرض والتاريخ، الذي ظلم من العرب والأعاجم، بتوافق وتناغم استهدف الاستيلاء على الأرض بمقولة إنها بلا شعب، هذه المقولة الكاذبة، وأن اليهود، بدعم من الأعاجم، استخدموا حجة أنهم الساميون، وكل من عاداهم، معاد للسامية كأن الفلسطينيين، ليسوا منهم، وهم الساميون الأصيلون الذين سكنوا البلاد منذ فجر التاريخ. 
في ظني أن سيادة الرئيس كان يخاطب الشباب الذين تواجدوا بكثافة، أراد منهم أن يتسلحوا بالمعرفة وقراءة التاريخ بدقة، وألا يكتفوا بالإيجاز الذي قدمه، ويوسعوا مداركهم بالبحث المعمق، ليقودوا المقاومة بإيمانٍ بالحق، وبتصميم وعزيمة للنضال، كأنه ينبهم إلى حقيقة وضعنا، الذي لخصه المتنبي في قديم الزمان بقوله:
وَسِوى الرّومِ خَلفَ ظَهرِكَ رُومٌ    فَعَلَى أيّ جَانِبَيْكَ تَمِيلُ
فيصبروا ويثابروا، ويكملوا مسيرة شعبهم وثوراته ومقاومته، التي تمكنت من إثبات أن الفسطينيين، وليس الصهاينة، هم الأصل وأصحاب الحق، وأنهم شعب الجبارين الذي تمكن من فرض فلسطين، الوطن- الأرض والشعب- على الخارطة الجغرافية والسياسية، بمسيرة طويلة ومستمرة رغم قوة الروم، الذين أمامهم وخلفهم وعلى كل جوانبهم.
إضافة إلى الحقائق التاريخية، استعرض ما تعرض له شخصيا من ضغوط العرب والأعاجم، ولخص موقفه، بأنه لا يتلقى تعليمات من أحد، إن كانت تناقض حقوق الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية، رغم اختلال ميزان القوى، روى حقائق ووقائع، أظنه لم يشأ أن تعرض مباشرة ببثها على وسائل الإعلام، فهي قاسية وجارحة، وهو يتحدث للحضور من القلب للقلب.
يعرف أبو مازن، أن ما قاله سيصل إلى مسامع المعنيين، عربا وأعاجم، فأراد من خلال المحاضرة والسرد الطويل أن يوجه رسائل إلى الجميع: قادة دولة الاحتلال، الولايات المتحدة الأميركية، العرب قيادات وشعوباً، الأوروبيين، الروس ودول الإقليم وقادة العالم أجمع:
طفح الكيل، قدمنا أقصى ما نستطيع، ونكثتم جميعا بوعودكم، أسقطتم غصن الزيتون الذي رفعناه بحثا عن السلام لشعبنا، قبلنا بتنازلات مؤلمة، لم تثمر، تتقافزون لفرض ما لا نقبله، تصمتون لا بل تباركون، مباشرة أو غير مباشرة، نهم دولة الاحتلال للاستيلاء على أرضنا، بقوة جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه، نسمع كلاما يؤيد رؤيتنا، وفي الواقع، لا إجراءات لردع دولة الاحتلال، لذا لنا رؤية جديدة ونهج جديد، سيقرره المجلس المركزي الذي سيعقد قريبا، دون أن يغفل الانقسام ومخاطره على مشروعنا الوطني، وتأكيده على ما ورد في خطابه أمام الأمم المتحدة، لنا حقوق نريد الحصول عليها، إن لم تتم الاستجابة، سنعود على الأقل إلى ما ورد في حيثيات قبول إسرائيل في الأمم المتحدة، التي لم تلتزم بها، فهي بذلك غير شرعية، ونحن الأصل، ولنا خياراتنا، والمستقبل لنا، والصراع مستمر إلى أن ننتصر، مهما كانت التحديات.
إذن هي محاضرة فيها رسائل محددة للجميع.. أتمنى أن تكون قد وصلت، سنحصل على حقوق شعبنا وإلا..هي العاصفة في المنطقة كلها تمتد إلى كل العالم.

 

المصدر: الحياة الجديدة