أخطر ما قد يتعرض له الشعب الفلسطيني المكافح، والمناضل من أجل الحرية والاستقلال وتعزيز قيم الديمقراطية والعدالة، وصون الحقوق الإنسانية والسياسية، ليست حروب منظومة الصهيونية الدينية الاستعمارية العنصرية، وحملة الإبادة التي نشهد أفظع صورها يوميًا وحسب، بل في نمو فطريات سامة، تفرز سمومها، وتوجهها بكثافة، وبجهد وطاقة عالية نحو مركز عصب الحياة اليومية للمواطنين، وهدفها بالأساس تشويش الرؤية الجمعية (الوطنية) لقضايا الصراع الأساسية، وعرقلة مسار خطط وانجازات القيادة السياسية، وتعطيل برامج عملها على الصعيدين الداخلي والخارجي، بقصد حرف اتجاهات بوصلة العمل الوطني بواقع مئة وثمانين درجة.
أما النتيجة، فليست أقل من تدخل خارجي، من جهات عدة، أولها على رأس الحربة، منظومة الاحتلال الإسرائيلي، تحت ذرائع ومبررات ساهمت عمليًا أي (لوجستيًا واستخباراتيًا) بإنشائها، ودول تنتظر منا سقطة، مهما كانت صغيرة، للومنا، وتحميل القيادة السياسية الفلسطينية المسؤولية كاملة، وذلك لتبرير تخاذلها وضعف إرادتها، وقدرتها على الانتصار لقرارات الشرعية الدولية، ومحاسبة منظومة الاحتلال والاستيطان والجريمة ضد الإنسانية (إسرائيل) باعتبارها المصدر الرئيس لكل أشكال الإرهاب والحروب والصراعات الدينية في المنطقة، وباعتبارها المدخل الرئيس الذي تنفذ منه دول وقوى إقليمية، معنية بالعبث في الساحة الفلسطينية، والتدخل المريع بالشأن، عبر تغذية هذه الدرنات والفطريات السامة التي هيأت منظومة الاحتلال ذاتها أسباب نموها، وغذتها وسمنتها، بقصد إظهار (السلطة الوطنية الفلسطينية) كحالة تسودها الفوضى والانفلات الأمني.
أما الهدف فهو إقناع دول العالم بالتراجع عن قراراتها المتعلقة بحق الشعب الفلسطيني بقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، لذلك لا نستغرب ادعاءات حكومة الصهيونية الدينية لدى منظومة الاحتلال (إسرائيل) بأن السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها غير قادرة على ضبط الأمن، وإنفاذ القانون، وحماية السلم الأهلي، ومن هنا يمكننا إدراك أبعاد تركيز فضائيات ووسائل إعلام الكذب والخديعة والتضليل الكبرى منها والصغرى، المنسجمة مع دعاية منظومة الاحتلال، بمواقفها وأفعالها المضادة للمشروع الوطني الفلسطيني، والعاملة على تشويه صورة المؤسسة الأمنية الفلسطينية، والتشكيك بالعقيدة الوطنية التي نظمت لتكون امتدادًا لأخلاق وقيم ومبادئ وسلوك المناضل الفلسطيني.
المؤسسة الأمنية تتعرض لهجوم إسرائيلي منهجي، منظم، تستخدم فيه أفرادًا، ومجموعات صغيرة، أشهرت ولاءها لإيران الفارسية، فيما أفرادها يتبخترون بأسلحة وذخيرة إسرائيلية. ويهاجمون مقرات مؤسسات صحية وأمنية ووزارات فلسطينية، وبذلك تنمو وتتطور ذرائع حكومة نتنياهو، للانتقال إلى مرحلة الضربة الكبرى للمخيمات والمدن في الضفة الغربية.
لا نحتاج لعدسات مكبرة (مجهر) لرؤية الصورة بوضوح تام ودقة عالية، فالتداخل والانسجام بين نقاط (داعش الفارسية) و(داعش الصهيونية الدينية) رغم محاولات (طهران) فرض نقاط لإظهار (تباين حاد) في تفاصيل الصورة، فهؤلاء الذين هربوا لحظة المواجهة الحقيقية، مع جيش منظومة الصهيونية الدينية في لبنان وسوريا، من مواقع كانوا يتمتعون بتسميتها (محور المقاومة والممانعة). يحاولون اليوم، ومعهم من تبقى من حماس تدمير المخيم، وقضية اللاجئين الفلسطينيين، باعتبارها جوهر الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني بأرض وطنه فلسطين.
ونزيد بثقة ونقول: إنهم يقصدون تدميرنا، وتبديد الإيمان بالوطنية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني الواحد، وإلغاء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ومنع انتقال السلطة الوطنية بقانونها الواحد، إلى تجسيم مرحلة الدولة الفلسطينية المستقلة، بنظام سياسي واحد.
وبهذا تلتقي مصلحة حماس مع مصالح إيران الفارسية، المعنية بانهيار آخر قلاع العروب والعروبة في فلسطين، كثأر وانتقام تاريخي، لإمبراطورية (كسرى الفارسية)، لإدراكهم أن انتصار فلسطين العربية، على منظومة الاستعمار والاحتلال الصهيونية العنصري، سيكمل مسلسل اندحار مشروع بلاد فارس في المنطقة العربية، فالمقدسات في فلسطين ليست جزءًا من ثقافتهم أصلاً.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها