على وقع الشعور الفلسطيني العام بالقدرة على تحقيق المستحيل، وعلى وقع شعور أحرار العالم بالتفوق النضالي الفلسطيني في التعبير عن الرغبة العارمة بالحرية، وعلى وقع أحداث فلسطينية أظهرت قدرة الفلسطيني على تحدي كل الظروف وكل الصعوبات وكل المشاكل تعبيرًا عن الإيمان العميق بالحق وقيم العدالة والحرية والتحرر، وعلى وقع العمل الجاد بكل المستويات وبكل الطرق المشروعة سياسيًا ونضاليًا وإنسانيًا لنيل الحرية والعيش بكرامة على أرض الرسالات السماوية.

متأثرًا بكل ذلك أكتب هذا المقال عن محاولات (شيطنة) الفلسطيني وبقناعة تامة أختار كلمة (شيطنة). بعيدًا عن الشعور الفلسطيني العارم بالفخر يجب ألا ننسى أننا كباقي شعوب العالم ولا نختلف عنهم كثيرًا، ولدينا الكثير مما يجب العمل عليه لنتقدم ولنتطور ولنعبر عن عمق نجاحنا على طريق نيل الحرية والاستقلال، ولكن هذا الأمر اليوم ليس هو أساس حديثنا.
فكما قلت المقال اليوم هو ظاهرة (شيطنة) الفلسطيني وبقناعة تامة أقول ظاهرة.
نعم، نحن نواجه ظاهرة مؤسفة  تتمثل في الهجوم المستمر على الفلسطيني عمومًا، وبشكل خاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك عبر بعض البرامج لقنوات معينة تستخدم مجموعة من المحللين الذين باتوا معروفين للجميع.
البعض يتحدث عن مدى سوء الشعب الفلسطيني بطريقة غير مفهومة، وخلال حديثه يتهم الشعب الفلسطيني بالتخلف وإضاعة الفرص السياسة ومن ثم يتهم الشعب الفلسطيني بالخيانة والتنازل عن حقوقه مقابل المال، والبعض الآخر يسعى لتشويه الشعب الفلسطيني وتضييق الحياة عليه من خلال اتهامه بنكران الجميل وعدم الوفاء وضرورة عدم الوثوق به، وبالتالي عدم استقباله وعدم توظيفه وعدم منحه أي فرصة للحياة.
البعض الآخر وصل به الأمر إلى اعتبار كراهية الفلسطيني والتهجم عليه وشتمه تعبر عن انتماء للوطن، بل وصل الأمر بالبعض للتحريض على التخلي عن أولى القبلتين قائلاً: "بجدية تامة إنها قبلة سابقة للمسلمين وبالتالي كما أي سابق لا أهمية لها.. وحتمًا يتم التشكيك بالإسراء والمعراج من باب التخلص من أي بعد ديني للمكان ولتفادي التحريض الذي لا أقبله مطلقاً".. نكتفي بالإشارة فقط إلى أن الحملة ضد الفلسطيني بلغت أوجهًا بإطلاق شعار ووسم (فلسطين ليست قضيتي) الذي يعود للظهور بين فترة وأخرى.
طبعًا بتحريض وبتخطيط وبدعم كبير حصل (فلسطين ليست قضيتي) على انتشار، طبعًا هذا الشعار يظهر ويختفي حسب المرحلة، فعندما عبر الفلسطيني عن تمسكه بأرضه وبحقه وبأحلامه في حي الشيخ جراح تراجع هذا الشعار وتراجع رافعو هذا الشعار وعانوا من العزلة التامة والفشل. ولا أظن أبدًا أن من الضرورة التأكيد على ان (فلسطين ليست قضيتي) فقط يحقق مصالح الاحتلال الإسرائيلي، فانتزاع فلسطين من محيطها العربي وانتزاع العروبة من فلسطين فقط يحقق مصالح الاحتلال.
نعود إلى ظاهرة شيطنة الفلسطيني التي بلغت أشدها بشعارات (فلسطين ليست قضيتي) حيث أود الإشارة إلى أن محاولات (شيطنة) الفلسطيني ليست نابعة من خلاف سياسي مع دولة ما أو مع حزب ما، أصل (شيطنة) الفلسطيني هو الاحتلال وأتباع الاحتلال وذلك لتحقيق عدة أهداف منها ضرب شعور الفلسطيني بالفخر وشعوره بالاعتزاز بهويته من خلال محاولة ربط بين الهوية الفلسطينية والكراهية لهذه الشخصية ما يجعلها تعيش عزلة تامة فتصبح مكروهة في محيطها العربي ومن ثم الإسلامي والإنساني وبالتالي تتراجع الهوية الفلسطينية وتتراجع القضية ويصبح التنازل عن الحقوق العربية الفلسطينية ممكناً بل سهل.
ورغم كل ذلك سعى الإعلام الفلسطيني الرسمي ومعه الإعلام المسؤول البعيد عن الأجندات الحزبية  لعدم الانجرار لمربع التحريض والتشويه. ومع ذلك فإن حملة التحريض ضد الفلسطيني مستمرة وقلنا ونكرر ردًا على هذه الحملة الممنهجة والمخطط لها بضرورة عدم الإنجرار لمربع الشتم والتخوين والتكفير، فنحن أصحاب القضية ويجب أن نرتقي وعيًا لمستوى قضية عادلة ومقدسة كقضية فلسطين، وعلينا أن نشدد على العمق العربي لقضيتنا وعلى هويتنا العربية وعلى أن فلسطين بلد التعايش والديانات الثلاث وعلينا أن نعزز من خطابنا الإعلامي بالتركيز على كل ما هو إيجابي من تحركات ودعم عربي رسمي وشعبي وكذلك على كل التعاطف الإسلامي والإنساني معنا كشعب واقع تحت الاحتلال ويناضل لنيل حريته والعيش بسلام على أرضه.
(شيطنة) الفلسطيني يهدف إلى إشعارنا بالخجل من الانتماء فنتخلى عن فلسطينيتنا وننعزل عن عروبتنا، كذلك (شيطنة) الفلسطيني تستهدف عزل الفلسطيني عن أمته العربية فينتهي الصراع العربي الإسرائيلي، (شيطنة) الفلسطيني تستهدف رفع الغطاء عن جرائم الاحتلال وإطلاق يده في ممارسة القمع والقتل والإمعان الظالم في مصادرة أراضي الدولة الفلسطينية باعتبار الفلسطيني يستحق ما يحدث له، (شيطنة) الفلسطيني يراد لها أن تكون المبرر عربيًا للتخلي الرسمي والشعبي عن فلسطين وعن قضيتها العادلة وعن شعبها المظلوم، (شيطنة) الفلسطيني أساس لإضعاف الموقف السياسي الفلسطيني والعربي فعندما يكون الفلسطيني هو الشيطان فهذا يعني أنه لا داعي لأي موقف تجاه قمع وقتل وذبح ومصادرة حقوق (الشيطان).
مع كل ما سبق ومع صعوبات الوضع ومع حجم التحديات ومع التقارير التي تشير إلى تراجع القضية الفلسطينية باعتبارها أولوية شعبية لدى المواطن العربي ومع تجاهل الإعلام لكل ما هو إيجابي عن فلسطين يأتي دومًا من البعيد وبشكل غير متوقع وبتوقيت غير متوقع فيتجدد الأمل، حدث ما أو موقف ما يضرب كل مخططات (شيطنة) الفلسطيني.
ببساطة ودون مقدمات من فلسطين ومن شعب فلسطين، تأتي قصة أو حكاية تظهر معدن المواطن العربي الفلسطيني وتجعل من فلسطين القصة والحكاية والرواية اليومية التي تفرض نفسها على الإعلام العربي وعلى أحاديث المواطنين من المحيط إلى الخليج فتعود فلسطين عربية ويعود الشعب الفلسطيني إلى موقعه النضالي المتقدم في صفوف الأمة العربية باعتباره رأس الحربة القادر على وقف المشروع الصهيوني التوسعي.
ببساطة تأتي قصة أو حكاية تعيد للفلسطيني شعوره الراسخ بالكرامة وبأنه لا يركع سوى لله عز وجل.. ببساطة تأتي قصة وحكاية تجعل أصحاب شعارات فلسطين ليست قضيتي يخجلون من أنفسهم.
بالمختصر، (شيطنة) الفلسطيني ليست صدفة بل هي مخطط عميق والرد الفلسطيني على محاولات شيطنته هو رد تلقائي وطبيعي مرتبط بهوية هذا الشعب الذي خلق من الحجر (إنتفاضة) وجعل من الملعقة (سلاح).
 

المصدر: الحياة الجديدة