عليك دائمًا أن تتوقع وألا تتفاجأ من تصريحات، وتصرفات الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هو ليس مصابًا لا بالجنون ولا بالشزفرانيا، لكن جُلَّ تصرفاته تأتي في إطار تحقيق أهداف ومصالح الترامبيون، بمعنى أن كل الأهداف التي يسعى إليها ترامب وكل من يدور في فلكه مثل إيلون ماسك وكثير من تلك الشخصيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة والعالم بأجمعه. ومن المؤكد أن ترامب لن تطأ أقدامه قطاع غزة، وبالرغم من المصالح التي ترغب الولايات المتحدة تنفيذها لصناعة شرق أوسط جديد، يحقق أهداف مصالح أميركا في المنطقة. كنت أتوقع صدور تصريحات من الرئيس ترامب لإرضاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، واليمين الإسرائيلي بعد اللقاء الذي تم بينهما في البيت الأبيض. ولعلنا نبني هذه التوقعات بناءً على ما تقدم وصدر عن الرئيس ترامب من منح وعطايا لإسرائيل وغيرها من التصريحات المدوية في العالم. لكن الحقيقة لم أتوقع أن يبدأ بالحديث عن تهجير سكان غزة، الذين يبلغ تعدادهم مليوني شخص. والأدهى في الأمر هو الأسلوب الذي أراد به أن يملي فيه الاستجابة للتهجير على كل من مصر والأردن بطريقة إملائية على إدارة البلديين، وهي الطريقة التي اعتادت أن تملي بها إدارته على دول العالم في إطار نفوذها ولكن يتم ذلك من خلف الكواليس.
كانت التوقعات أن يتم الحديث عن الضفة الغربية ومستقبلها، وهذا الذي كان متوقعًا حتى من اليمين الإسرائيلي لأن الأطماع تتجه إليها دون قطاع غزة، ولكن لم يتم التطرق إليها. أيًا كان السبب من هذا الإجراء، لكن الرئيس ترامب حصل على ردود فعل واسعة من كل دول العالم حول التلاعب في الشأن الفلسطيني والذي قُبِل بالاستنكار الشديد، والاستهجان، ورفض هذا الاقتراح إن صح أن نسميه كذلك. كل ذلك كان مشهدًا، والمشهد الآخر هو الحالة الفلسطينية التي توحدت بسبب هذه الإجراءات بكافة أطيافها وتمترست أمام تلك المخاطر التي باتت تهدد الوجود الفلسطيني.
منذ أن تولى سدة الحكم، في البيت الأبيض كان للرئيس الأميركي تصريحات عدة تتسم بالخروج عن المألوف وتتعلق بالجارة الحليفة كندا، وجزيرة غرينلاند، وقناة بنما، وكذلك جدار المكسيك، لوقف الهجرة من المكسيك للولايات المتحدة. واليوم بعد ما قيل أن الرئيس المكسيكي، قام بالرد على السيد ترامب، بالأسلوب الذي أعاد فيه السيد ترامب حسابته مع المكسيك، فقد حصل على الرد الشافي. وكذلك بخصوص القضايا الأخرى، التي طرحها في خطاباته. لغة المصالح هي التي يفهم العالم من خلالها العلاقات الثنائية وتملي على الدول مطالبها وتفاهماتها وتدافع عن أمنها وسلامتها وحدودها بما يكفل سلامة أمنها القومي.
السيد ترامب الذي تراوده الأحلام بالحصول على جائزة نوبل للسلام، وأراد إطفاء الحرائق في العالم قبل دخوله البيت الأبيض، وتدخل من أجل إيقاف الحرب في غزة ولبنان، وقد تم هذا المراد، ويضع على سلم أولوياته التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، نراه اليوم وبعد تلك التصريحات يورط نفسه في الحرائق المشتعلة، وبالتالي هذا اخفاق لرغبته أن يكون صانع السلام في العالم، ويستحق جائزة نوبل للسلام. صانعي السلام في العالم، يتسمون بالصبر والشكيمة، والحنكة السياسية، ويحافظون على الحقوق، ويتصفون في النزاهة. وبالتالي يتم تقديمهم على أنهم صانعي السلام بين الأمم والشعوب، ويمكن لهم اقتناص الجوائز الدولية والمسميات والألقاب التي تليق بتلك الصفات.
أيًا كانت جدية الرئيس ترامب، ولا أعرف من نصحه في ذلك فإن الدعوة إلى التهجير ومن ثم تنفيذها إذا استطاعوا ذلك، يعتبر في منظور القانون الدولي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، لربما لا يستطيع القانون الدولي أن يأخذ مجراه على الولايات المتحدة، ولكن من المؤكد أن من يقوم بالتهجير القسري والطوعي سيأخذ لقب مجرم حرب بجدارة. والرئيس الأميركي يمكن له أن يكون أكثر دماثة ويتجنب مثل تلك الألقاب والمسميات. ولا شك أن هناك فرقًا شاسعًا بين أن يحصل القادة والسياسيون على لقب مجرم حرب وصانع السلام، أرجو أن يكون مستشاري الرئيس الأميركي أكثر حكمة ولباقة في تقديم استشارتهم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها