في ظل الدمار الهائل بل والشامل لقطاع غزة،  والخسائر البشرية الفادحة التي لحقت بسكان قطاع غزة على مدى 471 يومًا من العدوان الإسرائيلي، يبدو الحديث عن "هزيمة إسرائيل" و"انتصار حركة حماس" مثيرًا للجدل، خاصة عندما يتم اختزال المعاناة المادية والبشرية لشعب غزة في مصطلح "خسائر تكتيكية"، مقابل اعتبار خسائر إسرائيل "استراتيجية".
هذه النظرة تحتاج إلى تحليل نقدي لتوضيح ما تحمله من نقاط قوة وضعف.

- المعايير المتناقضة لتقييم النتائج:

إن أي تحليل لنتائج الحرب يجب أن يراعي الأبعاد الإنسانية والمادية، وليس فقط الأبعاد العسكرية والسياسية.
فالتدمير الشامل للبنية التحتية وغيرها، وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين يشكل خسارة عميقة لا يمكن اعتبارها مجرد خسائر تكتيكية ولا يمكن تجاوزها والمرور عليها مرور الكرام وكأنها لم تكن.
بالمقابل، خسائر إسرائيل إذا اعتبرناها استراتيجية –مثل اهتزاز صورتها دوليًا أو تآكل قدرة الردع  الإسرائيلي كما يرى البعض– قد تكون حقيقية، ولكنها ليست مطلقة مطلقًا، وإنما هي مسألة نسبية، قادرة إسرائيل على تعويضها، وقد تم ذلك من خلال الدعم الأميركي الذي توفر لها مباشرة.
لذا ما سمي جزافًا بخسائر استراتيجية لإسرائيل، ليست كافية لإعلان "هزيمة كاملة" لها ولا حتى نسبية.

ورغم ذلك فإن الحرب ليست مجرد مواجهة بين جيوش أو مجموعات مسلحة، بل لها تداعيات طويلة الأمد على المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي. الحديث عن انتصار حماس قد يكون مبنيًا على قدرتها على الصمود وإلحاق خسائر بإسرائيل، لكنه لا ينفي حجم المعاناة والخسائر  البشرية والمادية  التي تكبدتها حماس وقوى المقاومة الفلسطينية وتكبدها الشعب الفلسطيني، والنظر إليها إنها مجرد خسائر تكتيكية عابرة فإنها نظرة قاصرة وعدمية، لأنها ستترك أثرها المادي والنفسي على الشعب الفلسطيني، على المدى القريب والبعيد.
الانتصار الحقيقي لا يُقاس فقط بمدى الصمود، أو بإحداث ضرر للخصم، بل أيضًا يقاس بالقدرة على تحسين الواقع المعيشي والسياسي للمجتمع بعد انتهاء الحرب.
إن استمرار الحصار وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة سيجعل الحديث عن الانتصار مسألة نسبية ومفتوحة للنقاش.

ربما تكون إسرائيل قد دفعت ثمنًا سياسيًا ومعنويًا كبيرًا في هذه الحرب، لكن ذلك لا يعني انتصارًا كبيرًا للطرف الفلسطيني، خاصة إذا لم تترجم "المكاسب" إلى خطوات ملموسة لتخفيف المعاناة الإنسانية وتحقيق أهداف وطنية مستدامة وخاصة وفي مقدمتها إنهاء الانقسام والتشرذم الفلسطيني والعمل على إنهائه، واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
التحدي الأكبر أمام قوى المقاومة، يكمن في تحويل هذا الصمود الفلسطيني، إلى استراتيجية تُفضي إلى تغيير حقيقي في الواقع الفلسطيني، يحقق من خلاله، أولاً: الوحدة الوطنية  الفلسطينية، ثانيًا: فتح الطريق لتحقيق العدالة والكرامة للشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.