مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، الشاهد والشهيد، فهي الشاهد على مؤامرة الدول الاستعمارية، وعقلية التهجير القسري الناظمة لسياساتها، وعلى محاولات إبادة ذاكرة الشعب الفلسطيني، واجتثاث جذوره التاريخية، وطمس هويته الوطنية والثقافية، والشاهد على منفذ جريمة "نكبة 1948" التاريخية، ومسؤولية منظومة الاحتلال الاستعماري الصهيونية "إسرائيل" فهذا معلوم، ومعروف، وموثق، لمن شاء من أمة الإنسانية، بلوغ معرفة خالية من التزييف والتحريف والتزوير.

فالنكبة المؤرخة في 15 مايو/أيار سنة 1948، أرهصت التنظيمات الإرهابية الصهيونية المسلحة لها بمذابح ومجازر، وبعمليات استيلاء على الأراضي بوسائل الترهيب والترغيب، سبقت الإعلان رسميًا عن إنشاء (دولة إسرائيل) بسنوات، وبما أن معنى (الشاهد) مشروط بالمعرفة حتى ولو كانت غير حضورية، فهذا ثابت ومؤكد بأبناء وأحفاد اللاجئين، وبشهداء على نكبة 1948 بالبصر والسمع والمعاناة والمآسي، ومعهم من أبنائهم من كانوا شهداء أيضًا، بمعنى الشهداء حضوريًا بسمعهم، وأبصارهم، وهم على قيد الحياة، فهؤلاء الشهداء قد عاشوا تفاصيل ووقائع نكبة آبائهم وأجدادهم، ويعرفون المُخَطِط، والمنفذ والمتآمر، والمتواطئ والمتخاذل، والبطل والجبان، والوطني والخائن، والحكيم والعبثي العدمي.

فالنكبة الأولى معروفة، وموثقة بالكلمة، والصوت والصورة، والسجلات، والمخطوطة بأمانة البحث، بين دفات كتب التاريخ الحديث والمعاصر، والمدونة نصوصًا لا لبس فيها في محاضر اجتماعات منظمات الشرعية الدولية، والمستخلصة من حروف وكلمات نصوص قراراتها.

أرهاصات نكبة اليوم وهي الأفظع مقارنة بنكبات الأمم والشعوب، تشبه أرهاصات نكبة الأمس قبل ثمانية عقود، أما الفارق الجوهري بينهما، فهو أن المنظومة الاستعمارية الصهيونية العالمية، قد أحلت جريمة الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، رغم أحاديث قادتها، عن الحقوق، والحريات، والعدالة، ورغم زخم الشرائع الأممية، واجماع شعوب العالم، على صوابها، وإمكانية تحقيق السلام بينها، على أساس القوانين الدولية المشتقة منها.

فاليوم نرى المستوطنين الإرهابيين، الذين سلحتهم حكومة الصهيونية الدينية، يقتلون ويسفكون دماء الفلسطينيين، ويحرقون عائلات وأطفالاً، وبيوتًا وأرزاقًا، ويدمرون ممتلكات، ويسيطرون بقوة السلاح على أراضي مواطنين فلسطينيين، فهؤلاء صورة مثالية مستنسخة من صورة المنظمات الصهيونية المسلحة بالأمس "الهاغانا" التي أنشئت منذ سنة 1920 و(شتيرن) سنة 1940، مع فارق أن منظمات المستوطنين المستعمرين الإرهابيين اليوم، تعمل تحت إشراف حكومة، عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تدعي أنها دولة مؤسسات وقانون، رغم انفلاتها وخروجها على القانون الدولي.

ويحظى المستوطنون المجرمون بعفو من رئيس الولايات المتحدة الأميركية وبرفع للعقوبات عنهم، ويشبه هذا الواقع اليوم بتواطؤ المستعمرين البريطانيين مع المنظمات الصهيونية المسلحة خلال فترة ما يسمى الانتداب. أما الفارق الآخر، فهو أن جيش منظومة الاحتلال (إسرائيل) يدمر المخيمات الفلسطينية باعتبارها (الشاهد)، ويسعى لإفناء وإبادة الإنسان الفلسطيني (الشهيد) الحي، ونبش عظام الشهيد الضحية المقتول بأحدث أسلحة أنتجتها مصانعهم، ومصانع الذين لا يرونهم إلا مجتمعًا عسكريًا، في أكبر قاعدة عسكرية في العالم سميت (دولة إسرائيل).

يجب ألا يغيب عن بالنا أبدًا، أن الدولة الاستعمارية العميقة الكبرى ووكيلها (إسرائيل)، على يقين أن بقاء المخيم، والمدينة، والبلدة، والقرية، والأرض ورموزها المقدسة، وهوية شعبها الفلسطينية العربية، يعني بقاء الشاهد والشهيد، لذلك وحسب مخطط (النكبة الأخرى) اليوم، يعمل المستعمرون المحتلون العنصريون على إفناء وإبادة الشاهد على النكبة، والشهيد الحي، يعملون على كسر إرادة الوطني الفلسطيني، المثابر بحكمة وصبر وشجاعة وإخلاص على كسر وتفكيك حلقات المؤامرة، وتعرية رؤوسها، وتجديد حياة الشعب على أرض وطنه، ماديًا، وروحيًا، وثقافيًا، فأرض فلسطين المحررة، وملايين الشعب الفلسطيني الأحرار، المتجذرون فيها وأصحاب السيادة عليها، وما على تضاريسها من مدن ومقدسات، وقرى وبلدات، ومخيمات بأسماء عربية، الشاهد والشهيد، القادر على إطاحة، مشاريع المستعمرين الكبار، والمستخدمين الصغار.