أثارت قنبلة غزة التي فجّرها ترمب، ردود فعلٍ تميزت بالرفض المطلق لها، حتى من قِبل أقرب حلفاء واشنطن.

وبعد مرور أقل من ثلاثة أيام على تفجير القنبلة، تراجع عن إرسال قوات أميركية لغزة، مستبدلاً التواجد العسكري المباشر فيها بتسليم واستلام مع إسرائيل، لتبدأ مناقصات مشروع تحول الركام الشامل إلى ريفييرا الشرق الأوسط.

حتى إسرائيل التي أظهرت احتفاءً بقنبلة ترمب، قدّمت تفسيراً مخففاً لمقاصده، حين وضعت مفردة الطوعي وراء التهجير الجماعي، وحين طلب وزير دفاعها من الجيش وضع خطط لعمليات التهجير "الطوعي" براً وبحراً وجواً، ذلك مع تشكيكٍ متعاظم من داخل إسرائيل بفرص نجاح العملية وفق المقاسات التي صممها ترمب.

بعد أيام قليلة سوف يستقبل الرئيس الأميركي الزعيمان الأكثر تأثراً بمشروع التهجير، وهما الملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد استبق الزعيمان زيارتهما لواشنطن بإعلان رفضهما التام لمشروع ترمب والقيام بأنشطة محلية ودولية لإحباطه، مدعومان باجماعٍ عربيٍ لا يقل حزماً في رفض المشروع، ذلك ليس فقط وفاءً منهم لعدالة القضية الفلسطينية ودعم الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، بل لما يجسده مشروع ترمب من أذىً مباشر على الأمن القومي وخاصةً في الأردن ومصر، ومن تهديدٍ للنسيج الاجتماعي في الأردن خصيصاً، والسيادة الوطنية لمصر على أراضيها، ثم إن مصر الدولة الأقرب لغزة والمرشحة الأولى للتهجير وفق مشروع ترمب، لديها مشروعاً بديلاً أكثر واقعيةً وصدقية، أعلن عنه وزير الخارجية المصري لإعادة إعمار غزة، دون الحاجة لتهجير أي غزّي من وطنه، وكذلك استضافة مؤتمر دولي لهذه الغاية.

وحين يشدّ ترمب الرحال إلى السعودية كأول محطة لزياراته الخارجية، فسوف يجد ذات الموقف من المملكة، مضافاً إليه تأكيدًا مؤكدًا بشأن التطبيع مع إسرائيل، لا تطبيع دون إقامة الدولة الفلسطينية.

ووفق حسابات رئيس الدولة العظمى أو المقاول، وأمام انعدام الاستجابة لمشروعه، وخصوصاً من الدولتين الأهم في هذه المسألة، الأردن ومصر، مع الموقف الأساسي الفلسطيني الرافض بالمطلق لأي تهجير مهما كان اسمه وعنوانه، يبدو منطقياً أن يتراجع ترمب، إن لم يكن من قبيل الإذعان للرفض الدولي المطلق، فبفعل حسابات الربح والخسارة.

يميز تعامل ترمب مع القضايا الدولية بأنه يذهب في طروحاته إلى الحدود القصوى لعله يحصل على الحدود الدنيا، وفي هذه الحالة ووفق نظرية إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع، فالمستطاع في غزة والشرق الأوسط أن يتراجع.