صحيح أن ترشيح جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي السابق ترامب، لجائزة نوبل للسلام هو ترشيح اولي وفردي من أستاذ قانون في جامعة هارفرد، فإن مجرد أن يتم طرح مثل هذا الشخص لمثل هكذا جائزة، هو تسخيف للجائزة، وللفكرة النبيلة التي تقف من ورائها. هذا الرجل، في واقع الامر قوض الفرص الحقيقية للسلام العادل والشامل، من خلال قفزه عن القضية الفلسطينية، ومحاولته هو ورئيسه تصفيتها، مع إدراكه أنه بدون إيجاد حل عادل لهذة القضية، لن يكون هناك سلام في المنطقة مهما أبرم من اتفاقيات التطبيع.

تاريخيًا، وبما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، والفلسطيني الإسرائيلي، حصل الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، ورئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه مناحيم بيغن على هذه الجائزة لأنهما، وبغض النظر عن رأينا، وقعا اتفاقية سلام بين بلدين في قلب الصراع، وتواجها في أربع حروب. كما حصل الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وكل من إسحاق رابين، وشمعون بيريس على جائزة نوبل للسلام، بعد توقيع اتفاقيات أوسلو للسلام، والذي اعتبر في حينه سلام الشجعان، بين العدوين الرئيسيين في الصراع، وهو صراع وجودي بينهما، وكان الهدف تشجيعهما للمضي قدمًا في مشروع السلام ، من أجل إرساء سلام دائم في المنطقة.

ما قام به كوشنر، لا علاقة له بالسلام، فهو لم يبرم اتفاقيات سلام بين دول متحاربة، أو حتى متنازعة، هو أبرم صفقات بين دول كان لها علاقات مع بعضها البعض منذ سنوات، والهدف هو فرض إسرائيل كقوة حاسمة في المنطقة على حساب الأمة العربية، والهدف الأهم هو تحقيق صفقات مالية وتجارية. وما قام به كوشنر هو تدمير لمبدأ حل الدولتين، وهو المبدأ الذي يجمع عليه المجتمع الدولي كحل معقول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسمحت صفقات هذا المتطرف العنصري لإسرائيل لتصفية هذا الحل المعقول، عبر تكثيف غير مسبوق للتهويد والاستيطان، والأخطر تصفية قضية القدس، بالإضافة الى أن مخطط الضم، الذي كان جاهزًا للتنفيذ في ظل "سلام كوشنر- ترامب". 

مجرد التفكير بترشيح كوشنر لجائزة نوبل هو مهزلة، هو انحطاط للقيم الانسانية، واستخفاف بالقانون الدولي والشرعية  الدولية. هذا الرجل ورئيسه ترامب يجب أن يقدما لمحكمة الجنايات الدولية كمجرمي حرب، لأنهما دمرا تمامًا فرص إيجاد حل لجوهر الصراع في الشرق الأوسط، وأصبح السلام الحقيقي والعادل أبعد منالا. كما يجب أن يحاكما لأنهما مسؤولان عن إخراج العلاقات الدولية عن سكة القانون الدولي، وتحويل هذه العلاقات لتكون اكثر وحشية واستغلالا، وأكثر تطرفًا وعنصرية. وأذكر هنا بانسحاب واشنطن، في زمن ترامب، من محكمة الجنايات الدولية، ومن كل الاتفاقيات التي تجلب للبشرية الخير كاتفاقية باريس للمناخ.

لقد قلب كوشنر الطريق، التي قد توصل الى سلام جدي في المنطقة، رأسا على عقب، والمقصود هنا مبادرة السلام العربية، التي وضعت أُسس السلام، الذي يمر أولًا بشرط انهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، وإقامة الدولة الفلسطينية  المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

ما فعله كوشنر هو  محاولة فرض الاستسلام على الأمة العربية، والسلام والاستسلام هما امران لا يلتقيان مطلقا، وان الاستسلام لن يقود الا للحظة انتقام اخرى.

المهم الآن ألا يصل هذا الترشيح ليكون ترشيحًا جديًا، حتى لو لم يحصل كوشنر على جائزة السلام، وأن مهمة إفشال هذا الترشيح تقع على عاتق كل محبي السلام في العالم، لانه لو حصل مثل هذا الامر فعلى القيم الانسانية السلام.