كلنا نعلم أن الاستقرار السياسي مرهون باستقرار أمني شامل، وأن السلطة التنفيذية المستندة إلى قوة القانون المتسيد دائمًا بفضل تركيز السلطة التشريعية على المصلحة العليا للمواطن في الأمن أولاً وأخيرًا، وحرص السلطة القضائية على تطبيق مبدأ العدالة، وأن هذا التكامل ينتج استقرارًا أمنيًا، وسلامًا داخليًا، وبيئة آمنة ليس للعيش والحياة الكريمة وحسب بل للتنمية أيضًا وأهم مسار التنمية الثقافية  لِما لها من تأثير كبير حال نجاحنا على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولعل مراجعة دقيقة للمشهد الداخلي على المدى القصير يؤكد لنا ضرورة التركيز على تكوين رأي عام مواز لجهود وانجازات المؤسسة الأمنية على الأرض، وكذلك إنجازات الحكومة في المسارات التي حددتها في برنامجها. لكننا نعلم تمامًا أن جهات عدمية عبثية مرتبطة بأجندات لاوطنية وخارجية وأخرى خادمة لمنظومة الاحتلال تعمل على تفكيك وقطع أي حلقة في سلسلة الثقة بين المواطن والقيادة السياسية والمؤسسة الأمنية تحت شعارات ويافطات قد تبدو مشروعة ظاهريًا لكنها تخفي وجوه متآمرين يتمتعون بحماية مباشرة من منظومة الاحتلال لا وظيفة لهم إلا التشكيك والتخوين وإلقاء التهم جزافًا، فتراهم ينتهزون أي فرصة يظنونها لحظة ضعف تصيب السلطة للانقضاض على الرأي العام الوطني لحرف وتشويه وكسر رؤيته باستخدام وسائل لاقانونية كالتزوير والتحريف والتشهير والقذف.. الخ من سلوكيات تعتبر جرائم جنائية يعاقب عليها القانون.. لكن علينا الإقرار والاعتراف بقدرة هؤلاء على اختراق الجماهير البسيطة وتكوين رأي عام مضاد في افظع استغلال لأوضاع الجماهير الضاغطة والخارجة عن إرادة السلطة ومؤسساتها وأجهزتها.

ندرك تمامًا أن هدف هؤلاء مرسوم سلفًا في أقبية أجهزة مخابرات معادية، وغرف جماعات ظلامية مظلمة لضرب أهم ركن من أركان السلطة التنفيذية، ونشر حالة إرباك، مكان الاستقرار الأمني ما يؤدي حتمًا الى خلخلة الاستقرار السياسي لتصب النتائج في مصلحة منظومة الاحتلال العاملة على تدمير رموز الكيانية السياسية القانونية للشعب الفلسطيني.

السؤال الآن كيف تبني المؤسسة الأمنية الثقة مع المواطن لتتمكن من تشكيل رأي عام وطني والجواب حسب تقديرنا كالتالي: نشر وشرح العقيدة النظرية الناظمة لعمل المؤسسة الأمنية عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، وتقديم تطبيقات عملية كأمثلة ونماذج حية، والتواصل مع الجمهور برسائل إعلامية (مصورة ومكتوبة ومسموعة) عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، وتأسيس ثقافة أمنية مرتكزة على المصلحة الفردية والجمعية (الوطنية) بالأمن، والاستقرار، مع الحرص على الاستماع بعقلية منفتحة على النقد الموجه للمؤسسة الأمنية وتقديم البراهين العملية المادية على استخلاص العبر ومعالجة السلبيات الطارئة، وإطلاع الجمهور بِشكل مقصود على ذلك.

لا بد من استشعار الاتجاه العام للجمهور، والعمل على تعزيز الإيجابي منه، وتقليل نسبة السلبي عبر اشراك الجمهور مباشرة في برامج تثقيف أمنية وتوفير أدوات الاتصال المباشر بين  قيادات المؤسسة الأمنية العليا والوسطى والدنيا، وتوصيل الفكرة للمواطن بأنه شريك وفاعل في نظم منهج وعملية مراقبة أداء المؤسسة، وأنه صاحب الامتياز الأساس الذي يمنح شهادة الكفاءة والنجاح للمؤسسة الأمنية باعتبار أن المؤسسة الأمنية من الشعب ولأجل أمنه وسلامته.

ونعتقد أن تنظيم الفعاليات المجتمعية من شأنه الحفاظ على ديمومة العلاقة وإيصال الجمهور إلى قناعة بأن قوة المؤسسة الأمنية مستمدة من الجمهور، وأن أمن وسلامة المجتمع مرتبط بقوة الأجهزة الأمنية، وهذا يتطلب تركيز التواصل مع شخصيات مجتمعية ريادية من الجنسين (اجتماعية، دينية، ثقافية، إعلامية، اقتصادية وسياسية) نظرًا لتأثير هذه الشخصيات الايجابي على الجمهور، وهذا سيساعد في إنشاء رأي عام دائم  مساند لعمليات المؤسسة الأمنية وفلسفتها وعقيدتها الوطنية.

إن انفتاح المؤسسة الأمنية على الإعلاميين في المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة وتزويدهم بالمعلومات الدقيقة التفصيلية الصحيحة فيما يخص الأحداث والأخبار المتعلقة بالشأن الأمني، يجعل المؤسسة  الأمنية مرجعية وحيدة ذات مصداقية عالية، خاصة إذا علم الإعلاميون حجم اعتماد المؤسسة الأمنية على منهج البحث العلمي والدراسات واستطلاعات الرأي لتحديد أسس ومبادئ السياسة الأمنية والخطط الاستراتيجية الواجبة لتنفيذها وتحقيق أهدافها.. وتحديد أولوياتها وفق اهتمامات الجمهور وإشعار المواطن الصالح بأنه الرقيب الأول على أدائها، وإبداء حرصها على اتباع نصائحه وإظهار ذلك علنًا عبر أداء عملي.

تنشد المجتمعات الإنسانية الأمن والاستقرار ويعتبر شرطًا رئيسًا لرفع ركائز المجتمع وبنيته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية تحت مظلة نظام سياسي قائم على مبادئ العدل والمساواة والديمقراطية التقدمية التحررية، وهنا تتجلى الثقة بين المواطن والمؤسسة الأمنية لتكون العامل الأهم لنجاح عملياتها، مهما امتلكت من أدوات متطورة وتقدمت بانجازاتها العملية على الأرض، فالثقة المتبادلة بين الجمهور والمؤسسة الأمنية سبب رئيس لنجاح أي عمل أمني يعززها التقنية والمهنية العلمية مستندة على بحوث ودراسات.. فالثقة تساهم بفعالية في تشكيل رأي عام إيجابي مساند للمؤسسة الأمنية.

الرأي العام بنوعيه المؤقت والدائم يؤسس لقواعد ارتكاز قبل وأثناء إطلاق عمليات أمنية ضد مجرمين مخالفين للقانون، ويعتبر معيار قياس لحالة الأمن التي توفرها المؤسسة الأمنية باعتباره (الرأي العام) تعبيرا عن شرائح المجتمع المستفيد أولاً وأخيرًا من حالة آمنة توفرها السلطة السياسية عبر أجهزة المؤسسة الأمنية ذات المهام المتخصصة.