وحصلت صفقة الأسرى وفرح الأسرى المحررون وعائلاتهم، وسيّست العملية كما هو معلوم ، واسبغ عليها أثواب مختلفة فمن ناظر لها كصفقة القرن متباهيا إلى الحد الذي يخرج الصفقة من نطاقها ومحدوديتها وباعتبارها انتصارا تاريخيا متجاهلا ما سبقها وقاصدا تحقيق مكاسب حزبية آنية ما هو مفهوم في ظل تصارع سلطوي محموم.

 وما بين مبخس في 'البضاعة' إلى الحد الأدنى لأنها استبعدت قيادات الأسرى وركزت فقط على كادر حماس وشرّعت الإبعاد وتناست الأسيرات... الخ من الأسباب، وبغض النظر عن الصراع الحزبي- التنظيمي وإشعال فتيله الدائم من قبل الإسرائيليين من جهة واللاعب الإقليمي من جهة أخرى، فان ثقافة تقبل الأخر وثقافة التعددية والثقافة الوطنية عامة على ما يبدو انها في تراجع مخيف بحيث علا الحزب وتنمر وتراجع الوطن وتدمر.

الذي أثارني في مجريات الصفقة الكثير من التصريحات ولكن أبرزها وأعجبها هو تصريح مرشد الإخوان المسلمين حيث قال انه فرح بالصفقة لأول مرة منذ 1948 ؟!

وبالنص على لسان اسماعيل هنية في خطبة الأسرى في غزة حيث قال والعهدة في الرواية على هنية بالطبع (لقد قال لي فضيلة(؟!!) المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع وهو يتكرم(؟؟!!) بالاتصال بي مهنئاً في اللحظة الأولى التي أعلن فيها عن توقيع الاتفاق قال لي أخ أبو العبد أنت وكل الشعب وإخوانك هذه أول فرحة نستشعرها من قلوبنا ومنذ النكبة ومنذ أن اغتصبت فلسطين؟؟!)

وفي ذلك سقطة للمرشد –استنادا لرواية هنية- تضاف لسقطات سابقه الذي قال (طز في مصر)، و(سنضرب المعارضين بالأحذية)... الخ

  فإذا كان المرشد أو (فضيلة المرشد كما يبجله هنية) الذي تكرم (وان كان من واجبه الاتصال وليس تكرما) بالاتصال به لم يفرح هكذا منذ أكثر من 60 عاما رغم انتصارات كثيرة في الحرب والسلام فإما أن قلب الرجل قد قُدّ من صخر فلا يفرح أبدا، أو انه وهو الأرجح قد شعر بالزهو والخيلاء لان الصفقة فقط قد جاءت لمصلحة الإخوان المسلمين فاحب أن يبالغ فيما يقول على عادة 'الإخوان المسلمين'  الذين في كثير منهم  يضخمون افعالهم وان صغرت ويطمسون انجازات الآخرين وان كبرت إلا من رحم ربي.

ألم يفرح (فضيلة) المرشد عندما تزوج أو عندما تخرج من الجامعة أو عندما قبص أول (ماهية=معاش) أو عندما خلّف أول ولد؟! أو عندما رآه يحبو أو عندما شبّ عن الطوق وتخرج؟! ام انه عدو الفرح فلم يفرح لزواج ابنته أو ابنه أو لترقي صديق أو لافراج عن معتقل من معتقلي الاخوان أنفسهم؟! ام انه ألا يستطيع أن يفرح لخروج أي سجين عامة؟؟!

وان كانت الفرحة المقصودة سياسية ألم يفرح (فضيلة المرشد) بنصر الله في أكتوبر 1973 وقبله لجلاء الانجليز عن مصر؟! أم انه لم يفرح لتحرير قناة السويس أو بناء السد العالي ؟! ام ان الحقد على الرئيس جمال عبد الناصر والمخالفين يعمي القلوب؟! ألم يرى (فضيلته)  قامة المقاتل المصري وهي تزهو بعد نصر أكتوبر-رمضان العظيم، ولا نريد أن نعدد له انتصارات أخرى فلسطينية أو عربية وفي مجالات عدة صغيرة أم كبيرة.... فهو لا يعترف بمن هم ليسوا اخوان مسلمين على ما يبدو، لأسفنا عليه.

وان كان الفرح مقتصرا على تحرير الأسرى ألم يفرح (المرشد العام) بخروج آلاف الأسرى العرب والفلسطينيين من سجون الاحتلال بفضل السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها الخالد ياسر عرفات التي أخرجت 12 ألف أسير، وبفضل الجبهة الشعبية وبفضل الديمقراطية وبفضل حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح؟!...أم انها زلة لسان يجب أن لا يؤاخذ عليها؟!.

ان الفرح له قيمة في الاسلام ولدى المسلمين ولدى الأمة عامة وهو دلالة، وهو قيمة فكل مراحل الحياة الشخصية والعامة تحتوي على مواقف ومراحل ومناسبات ومواضيع وأفعال تستدعي الحزن وغيرها مما يستدعي الفرح

 يجب أن لا يظل الانسان يلوك مأساته أو مشاكله (أو مشاكل حزبه) ويغلق عينيه عن فضاء الدنيا ليعيش في سوادها فقط، لأن الشخصية الايجابية (للفرد أو الجماعة) هي حقيقة الشخصية المسلمة والشخصية الانسانية، ما ندعو الله ان يمن به-أي الفرح والحبور- على كل بيت، وعلى بيت كل أسير للمناسبة هنا ومنها بيت شقيقي الأسير القائد ياسر أبوبكر الذي لم يخرج من معتكفه في السجن حتى الآن ، ولكنه فرِح فرَح ابن تيمية في تواصله وتواصلنا الدائم مع الله سبحانه وتعالى حيث جنتنا في صدورنا، وفرِح اذ يكبر ابنه بطلا وان في البعيد، وحزين (هو ونحن وكافة الأسرى) اذ السجن والصفقة لم تشمله كغيره من الأبطال.

ان كان الفرح شعور انساني لا يخضع للسياسة ، فان التعصب الحزبي وافتراض العصمة أوالقداسة في فرد أو جماعة أو حزب يستدعي الحزن او الفرح،الحقد او العُجْب بالذات فان ذلك دلالة على اغلاق القلوب بأقفال والعقول بألواح خرسانية لا تفتح الا بنداء التعصب الأعمى والاستئثار المقيت أعاذنا الله واياكم منه