في كل مرة أردت أن أكتب مقالي هذا واجهتني قضايا أكثر حساسية وأكثر غلبة قررت معها أن أتجنب موضوع هذا المقال، ولكن مع احتدام تطورات الربيع العربي والمصالحة وصفقة تبادل الأسرى وغيرها وكثرة الكتاب في القضايا آنفة الذكر، قررت أن أنتهز فرصة انشغال البعض وآخذ برهة من الوقت لأكتب في موضوع السطور اللاحقة لأطرح سؤال يتجنبه الكثيرون حول رام الله!.

رام الله المدينة الفلسطينية الحالمة التي يذكرنا البعض بفضلها علينا، وبفضلنا عليها، في كل مرة حلت المدينة بحضورها القوي في احتفالياتنا واجتماعاتنا ومهرجاناتنا وحتى أمسياتنا الأدبية، المدينة التي يراها البعض عنوانا متطورا لحضارة الفلسطيني وحريته وجرأته وحماسته وحبه للحياة.

لكن هذه الواحة المتجددة النابضة بالأمل استطالت فيها قائمة لا تنتهي من الأسئلة الاقتصادية والمالية التي يتجنب الكثيرون الإجابة عليها، وكأن هناك إصرارا من كل المعنيين على الهروب من المسؤولية، فازدهار المدينة وتطورها لا يجعل غلاءها مبررا على الإطلاق بل مستهجنا وغريبا وحتى خارجا عن نسق الأداء المالي للكثير من مدن الصمود الفلسطيني.

فرغم الحديث المتكرر عن النمو الاقتصادي، فإن أفضل حالات النمو هذا ومحورية رام الله في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تفسر سبب غلاء المعيشة في المدينة، بل لا يفهم المرء لماذا تكون العاصمة المؤقتة لفلسطين، كما يحلو للبعض تسميتها، أكثر غلاء من طوكيو ولندن وجنيف وباريس، فعقاراتها، وأراضيها، ومرائبها، ومدارسها الخاصة ومعظم مقاهيها وحتى بعض مطاعمها، ترتبط بأسعار فلكية غير مبررة على الإطلاق، حتى وإن قال البعض إن الاقتصاد حر ومفتوح ويستند إلى سياسات العرض والطلب. يا سلام!.

فلماذا تصل معدلات أسعار الأراضي الى فئة مئات الآلاف من الدولارات؟ والشقق المتوسطة الحجم إلى متوسط يصل الى مئة ألف دولار؟ وأقساط المدارس الخاصة إلى معدل يزيد عن 2000 دولار للطالب الواحد؟ حتى الأكلة الشعبية فقدت إسمها لغلاء يفوق ثمن شطائر اللحم، وبات بعض بائعوها ممن يدفعون في محالهم التجارية إيجارات زهيدة إقطاعا جديدا في رام الله؟ كيف لا وأسعار أكلاتهم يفوق تكلفة نظيراتها في البكاديلي والشنزليزيه! ، ناهيكم عن مطاعم غريبة عن عاداتنا وأصولنا وحتى أخلاقنا، من سمح لأصحاب المرائب أن يطالبوا الناس بما يعادل جنيها استرلينيا وحتى دولارين لركن مركباتهم سواء لدقيقة واحدة أو ساعة؟

أهذا اقتصاد حر؟ أهذا هو مفهوم العرض والطلب؟ ألا يتمكن الناس العاديون وغير العاديون من العيش في العاصمة المؤقتة!؟، من المسؤول عن هذه المهزلة وغياب الضبط والربط والغلو والمغالاة؟.

إن مدينة الجميع التي تحضن الجميع يجب أن تكون للجميع قولا وفعلا، قيمة وقدرا لا أن يسمح لما يراه البعض تغولا ومغالاة بالاستمرار خارج نطاق المعقول والمقبول، لذا السؤال الأهم مازال بالنسبة لي: من المسؤول؟ سؤال أطرحه بالإنابة عن الكثيرين لأنني أرى أن غيري يسأله في خلده ويخشى سؤاله على الملأ، المسؤول ربما يكون أول شخص يتصل بي معاتبا إياي علي مقالي هذا!، أنتظر لأرى