هي المناظرة الأولى لكمالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي، بعد انسحاب الرئيس بايدن من السباق الرئاسي، مع الرئيس السابق دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري يوم الأربعاء 11 أيلول/سبتمبر الحالي، قبل شهرين تقريبًا من موعد الانتخابات الرئاسية في 5 تشرين ثاني/نوفمبر القادم، واستمرت المناظرة 90 دقيقة على قناة "ABC".
وتميز دخول هاريس إلى المنصة بثبات وقوة، واتجهت نحو خصمها ترامب وصافحته، الذي بدا عليه الانزعاج، وكأنه كان مجبرًا على مصافحتها، حتى أنه لم ينظر إليها، كنوع من الاستخفاف والعنصرية، وحتى شكك بهويتها وانتماءها الأميركي. وكل منهما خاطب شرائح وفئات المجتمع الأميركي الذي يخصه، فهي خاطبت النخب السياسية والأكاديمية والطبقة الوسطى وجمهور النساء والمهاجرين، في حين خاطب الرئيس السابق أنصاره من غير المتعلمين، أو أنصافهم والبيض الانجيليكان. وتميزت المرشحة الديمقراطية بالهجوم على المرشح الجمهوري، في حين تميز نسبيًا بالهدوء وضبط الأعصاب، ولم يحاول كعادته انتهاج أسلوبه المعروف بالهجوم، رغم أنه لم يتمكن تمامًا من ضبط أعصابه طيلة وقت المناظرة، فهاجم الرئيس بايدن بطريقة فجه، واتهمها ووالدها بأنهما ماركسيين. لكن هاريس لم تدافع عن الرئيس الحالي، وقفزت عن الموضوع، وذهبت إلى الملفات الأساسية في الصحة والاجهاض والمهاجرين والعلاقات الدولية، وخطر تولي ترامب الحكم مجددًا، وسلطت الضوء على ما فعله في 6 كانون ثاني/يناير 2021 واقتحام أنصاره مبنى الكابيتول.
ووفق الخبراء سقط ترامب في الكذب والتضليل 33 مرة، في حين أن هاريس كانت سقطاتها أقل كثيرًا. وحسب استطلاع رأي لقناة "CNN" فإن 63% من الأميركيين، اعتبروا أن هاريس أفضل في المناظرة، مقابل 37% قالوا أن ترامب كان أفضل. رغم ذلك، فإن أي منهما لم يحقق الضربة القاضية لخصمه، مع الاعتقاد بأن هاريس كانت متقدمة بالنقاط على ترامب، ولهذا طالب فريقها الانتخابي بإجراء مناظرة أخرى، البعض اعتبر ذلك مناورة تكتيكية، والبعض افترض رغبة في مواصلة الهجوم، وإثبات الذات، وتقديم ذاتها وقدراتها القيادية أمام ناخبيها، والشرائح المترددة في الولايات المتأرجحة وذات الأصوات الحاسمة في المجمع الانتخابي.
وما يهمني من المناظرة بين المتنافسين، هو الموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي لم يأخذ حيزًا كبيرًا، ولكنهما لم يتمكنا من غض النظر عن الملف الإسرائيلي، حيث ادعى ترامب، أن هاريس "تكره إسرائيل"، وأضاف: "إذا أصبحت رئيسة، أعتقد أن إسرائيل لن تكون موجودة خلال عامين من الآن". دون أن يقدم دليلاً على ذلك، وتابع "سيتم تفجير المكان بأكمله، وستختفي إسرائيل". وردت هاريس بالقول، إن ادعاء أنها تكره إسرائيل "ليس صحيحًا على الإطلاق"، وأضافت أنها دعمتها طوال مسيرتها المهنية.
وبالنتيجة الماثلة أمامنا، أن كلاهما لم يتعرض للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في عموم الوطن وخاصة في قطاع غزة، ولا لمعاناة الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء من أبناء الشعب، ولم يلتفتا إلى عدد الضحايا، الذين فاق عددهم حتى الآن41 ألف شهيد، و95 ألف جريح، غير المفقودين تحت الأنقاض، والدمار الهائل التي استهدف مئات الآلاف من الوحدات السكنية والمدارس والجامعات والمعابد والبنى التحتية، وتقنين إدخال المساعدات الإنسانية بمشتقاتها المختلفة، وتوسيع دائرة حرب التجويع والأمراض والأوبئة.
لم يسقط الأمر سهوًا، ولا عفويًا، إنما مقصودًا. لأن كليهما أراد تأكيد دعمه لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية، القائمة بالاحتلال والإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني برعاية وقيادة الإدارة الأميركية، والتي قدمت كل أشكال الدعم العسكري والأمني والمالي والسياسية والديبلوماسي والإعلامي، ونقلت حاملات طائراتها وغواصاتها النووية وبوارجها الحربية إلى المياه الإقليمية للدفاع عنها وحمايتها، وتدير دفة المفاوضات حسب الرياح الإسرائيلية لمواصلة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في القدس العاصمة وعموم المحافظات الشمالية، إضافة لمحافظات الجنوب الغزية.
وهذا الأمر ليس مفاجئًا، ولا مستغربًا من الإدارات الأميركية المتعاقبة الجمهورية والديمقراطية على حد سواء، لا بل إن نتنياهو يواصل رفض إبرام صفقة التبادل للأسرى، ووقف حرب الأرض المحروقة حتى صعود ترامب لسدة الحكم، الذي أعطى وعدًا لمريم أديلسون وبعدها لنتنياهو نفسه أثناء لقاءهما في 26 تموز/يوليو الماضي، بأنه سيوافق على ضم المستوطنات جميعها لدولة إسرائيل، وعدم إقامة دولة فلسطينية.
إذاً أي من المرشحين في حال فاز في السباق الرئاسي، لن يعطي الشعب الفلسطيني حقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة، وبالتالي الرهان على أي منهما، هو رهان خاسر، الأمر الذي يتطلب مواصلة سياسة فضح وتعرية الولايات المتحدة ونخبها الحاكمة من الحزبين، ودفع العالم للضغط على الإدارة الأميركية بالكف عن التغول على مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني السياسية، وإلزام إسرائيل باستحقاقات السلام ووقف الحرب المجنونة أولاً وثانيًا وألف فورًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها