إن الحفاوة التي استقبل بها السيد الرئيس أبو مازن في البرلمان التركي تأكيدًا على عمق علاقات الصداقة التركية الفلسطينية وكذلك تؤشر إلى عمق الروابط السياسية والثقافية والتاريخية بين البلدين، وكذلك كانت ردًا على تلك التمثيلية التي عرضت في الكونغرس الأميركي خلال استقبال أحد المطلوبين للعدالة الدولية، وعلى العكس من ذلك فإن البرلمان التركي الذي احتفى واحتفل بالضحية وآلامها ومظلوميتها وعدالة قضيتها ومطالبها لذلك كان التصفيق والوقوف لمدة تزيد على 35 مرة.
إن الرئيس أبو مازن يعرف لماذا اختار تركيا ليعرض أمام برلمانها مظلوميته ووجهة نظره، فتلك البلد منحتها الجغرافيا قوة على قوة، فهو جار للمنطقة العربية وجار للاتحاد الأوروبي وروسيا وغرب آسيا، إضافة إلى عضويتها في حلف الناتو، فهو الدولة الخاسرة في هذا الحلف، ولذلك فإن تركيا تملك أدواراً ولديها نفوذ وتأثير على مجرى الأحداث، يجعلها قادرة على أن تحمي مقترحاتها أو تغطيها أو تقدم ضمانات لأية حلول، بالإضافة إلى أنها تملك علاقات جيدة وحتى ممتازة مع كل الأطراف ذات العلاقة.
فضلاً أن تركيا لا ترى بممارسة ضغوط على الرئيس أبو مازن ولم تفعل ذلك كأطراف أخرى ولم تسطع أن تقوم بأدوارها لأسباب متعددة.

أبو مازن، ومن خلال تقديره لخطورة الخطوة ودقة المرحلة، ومن على منصة البرلمان التركي، أعلن أنه يريد زيارة قطاع غزة ومن بعد ذلك عاصمة دولة فلسطين الأبدية القدس الشريف، وهي في رأيي صرخة من القلب ومطلب حق وخطوة جريئة باتجاه الوحدة والتوحيد، وحدة الصف الوطني وتوحيد أجزاء الوطن، وذلك بما يمتلك الرئيس من رمزية وتمثيلية وشرعية وقدرة على الإمساك بالحدث وصنعه والتأثير فيه.
الرئيس أبو مازن يريد من هذه الخطوة – تحققت أم لم تتحقق – أن يسقط وأن يقطع الطريق على كل المقترحات والأفعال والزاويا التي تريد احتلال القطاع أو إدارته بعيداً عن الخيار الوطني.
أو تعمل من تجزأة و تفكيك الجغرافية الفلسطينية أو تمزيق النسيج الوطني. الرئيس أبو مازن يريد أن يقول أنه الجهة الشرعية الوحيدة المخولة بإدارة القطاع وأهله ومستقبله هي منظمة التحرير الفلسطينية وهي الاجماع الفلسطيني حول الحاضر والمستقبل.
يريد الرئيس أبو مازن أن يقول: أن لا أحد له القدرة مهما امتلك من أسباب القوة أن يحدد للشعب الفلسطيني خيارات بعيدة عن الثوابت الفلسطينية بإقامة أي جسم على الأرض الفلسطينية، دون الشعب الفلسطيني.

يريد الرئيس محمود عباس أن يعري أي مقامر أو مغامر أو طامع بانتهاز الفرصة أو ركوب الموجة أو استغلال الظرف ليقدم فروض الطاعة أو حسن النوايا أو خبثها لا فرق.
الرئيس بهذه الخطوة يريد القول أن الشرعية الفلسطينية هي التي تتقدم وتحكم من خلال الاجماع والتمسك بوحدة التراب ووحدة التمثيل، الرئيس بهذه الخطوة يريد القول أن العالم مدعو لمساعدته في إقامة دولة فلسطينية باعتباره الضمان الوحيد للسلام والاستقرار في المنطقة ، وهو بذلك يضع جميع الأطراف أمام مسؤولياته إذا كانت صادقة في وقف اطلاق النار وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، والرئيس بهذه الخطوة تحققت أم لم تتحقق، لأن إسرائيل ستعارضها بالتأكيد – يتوجه إلى إسرائيل التي ترفض عودة السلطة الوطنية إلى قطاع غزة، ليؤكد لها أن السلطة الوطنية هي صاحبة الحق وصاحبة التفويض وصاحبة الولاية.

ندعو سيادة الرئيس محمود عباس إلى سرعة الذهاب إلى قطاع غزة ليضع حد للتشتت والضياع والحيرة والجدل والاشتباك، وليضع أساساً لسلطة وطنية عملت طيلة الوقت بحكمة وطنية ونضج عالي للنجاة من كل الصعاب والتحديات التي عصفت بالمنطقة منذ العام 2011 وحتى الآن. معظم أهل القطاع يعانون أهوال القتل والنزوح والجوع والمرض يتشوقون لرؤية رئيسهم بينهم ليعمل معهم لوقف هذه المأساة، فهم يعتقدون أن قدوم الرئيس إلى بلده وشعبه إشارة طيبة لوقف الحرب وانهاء المعاناة، أنها كفيلة بتقديم حلول أو أطواق نجاة بديلاً للوضع الحالي.
أعلن الرئيس –أخيراً- برغبته للتوجه لقطاع غزة ثم القدس الشريف تأكيدًا منه على أن الدولة الفلسطينية آتية لا محال، وإن المذابح لا تكسر الإرادة وأن القتل لا يعني الاستسلام.
وإذا كان الرئيس يريد من الأمم المتحدة أن تقدم الحماية لهذه الزيارة في إشارة أخرى إلى أن إقامة الدولة الفلسطينية لا بد لها من رعاية وحماية دولية، وهذا لن يكون إلا بإدراك القوى الدولية والإقليمية، إن إقامة هذه الدولة الشرط الوحيد لاستعادة الهدوء والاستقرار.
هل اختار الرئيس محمود عباس منصة البرلمان التركي من أجل هذا الإعلان لتكون تركيا مؤهلة لترجمة هذا الإعلان الى الواقع؟ وقد يكون ذلك صحيحاً، فتركيا دولة مؤهله لأن تكون جزءً من الحل وقادرة على تقديم ضمانات الاستدامة.

ونحن نعتقد أن شعبنا ينظر إلى اعلان الرئيس بالقدوم إلى غزة بوصفها رؤية وطنية جامعة تتطلب من الكل الفلسطيني فصائل وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني أن تبدأ وسريعًا بورشة عمل وطنية لتجسيد الرؤية على أرض الواقع والدفع نحو وقف الحرب الدموية على أبناء شعبنا واستنهاض الحالة الوطنية نحو الوحدة فلا دولة بغزة ولا دولة دون غزة هكذا قال الرئيس ولكسر مشروع الاحتلال المتمثل بالطرد والتهجير وتفتيت الهوية الوطنية الفلسطينية.
ومن المهم أن تتحول كلمته إلى خطة عمل وطنية، وعلى المعنيين وضع أليات لهذه الخطة، كي نواجه العالم موحدين برؤية وطنية متوافق عليها.