كثير هو الجدل وما كتب وقيل ويقال حول صفقة تبادل الأسرى التي أدارتها وأنجزتها حركة حماس وما كنت ارغب في الكتابة حولها قبل أن تتم وتنتهي ويصل كل أسير محرر إلى أهله وذويه أو إلى منفاه الذي حددته له أطراف الصفقة رغبة في عدم تفسير ما ساقوله بعدم الرغبة في إتمامها أو عدم الرغبة في تحرير ألأسرى لأن حرية أي أسير هي مكسب وطني بغض النظر عن الفترة الزمنية التي قضاها أو التي يفترض أن يقضيها لاحقا او الكيفية التي سيتحرر من خلالها.

 إن ما نسمعه من قيادات حركة حماس تعليقا على بعض الانتقادات لشروط ومحتوى هذه الصفقة شيء غريب بل وأكثر من ذلك فهو يصل إلى حد التخوين وكأن النقد وإبداء الرأي محرم على أي فلسطيني لا ينتمي لحركة حماس التي استحوذت على الجندي المخطوف شاليط من مجموع الأطراف التي شاركت في عملية الاختطاف وبالتالي امتلكت مئة بالمائة من أوراق التحكم بشروط الصفقة والمفاوضات التي دارت بشأنها على مدار السنوات الماضية متسلحة بقدرة كبيرة على السرية في إخفاء الجندي المخطوف وهذا يحسب لها رغم قسوة الظروف الموضوعية وحرب الإبادة التي شنتها اسرئيل على القطاع في أعقاب اختطاف الجندي شاليط وما دفعة شعبنا من شهداء وجرحى ومعتقلين وتدمير للبنية التحتية  وهدم للمنازل وتشريد للمواطنين  بحيث شكل ذلك ثمنا باهظا لعملية الاختطاف التي تمخضت أخيرا  وبعد سنوات من التفاوض لتفضي إلى عملية التبادل هذه والتي يدور حولها الكثير من الجدل طمعا وتطلعا للحصول على أفضل النتائج وبما يتناسب مع الثمن الكبير المدفوع سلفا وليس من باب التشهير والتقليل من قيمة الصفقة كما يحاول الناطقين باسم حماس وقياداتها تصوير الانتقادات الموجهة لها، خاصة وان حركة حماس قد رفعت سقف التوقعات لدى الشارع الفلسطيني لدرجة كبيرة جعلته يشعر بشيء من الإحباط وعدم الرضا بعد أن تكشفت مضامين الصفقة ونتائجها، فلماذا تحاول حماس تكميم أفواه الناس ومنعهم من إبداء آرائهم فيها.

كما تحاول تفسير هذه الانتقادات على انها موجهة من حركة فتح وقيادتها للتقليل من شأن الصفقة لدرجة ادعاء حماس بان هناك تعميما من الدائرة الإعلامية في مفوضية التعبئة والتنظيم بهذا الشأن الأمر، الشيء الذي لا يمكن لحركة فتح أن تقدم عليه، لأن حركة فتح تؤمن إيمانا كاملا بان حرية أي أسير فلسطيني هي مكسب وغاية لكل فلسطيني غيور بغض النظر عن الجهة أو الكيفية التي يتحرر بها هذا الأسير، فالخلاف السياسي من وجهة نظر فتح لا يعني بالمطلق عدم الاعتراف بالحقائق ولا يعني أيضا تحريم إبداء الرأي والنقد البناء المستند للتصويب والتركيز على نقاط الضعف في سبيل علاجها وتجاوزها.

ثم لماذا تحاول حماس دائما كتابة التاريخ من عندها فقط ولا تعترف بالتراكمات التي أنجزها الآخرون من قبلها لتبني عليها، فهل حقا هذه الصفقة هي الصفقة الأولى من نوعها مع دولة الاحتلال و؟هل حقا هي فقط من كسر القواعد الإسرائيلية؟ لا بد من تذكير حماس بان هناك العديد من الصفقات التي تمت في التاريخ الوطني الفلسطيني فحبذا لو تستذكر حماس ذلك وهي مدعوة لفعل ذلك إنصافا لقوى شعبنا المناضلة والتي سبقت حماس في ذلك.

أما وقد أنجزت الصفقة فلا بد من الاعتراف بأنها قد فقدت الكثير من البريق الذي رافق عملية المفاوضات والآمال التي واكبتها على مدار السنوات الماضية.

واليوم وبعد ان أصبحت الصفقة في حكم المنتهي فلا بد من ابداء بعض الملاحظات التي اتمنى ان تقف عندها حماس وقيادتها ومن قاموا بالتفاوض بشأنها بدون تعصب او تشنج وإذا كانت الحركة فعلا ترى في هذه الملاحظات ما يستحق المتابعة ان تقف عندها وتجري الحسابات اللازمة وفاءا للشعارات الكبيرة التي تتبناها وتطلقها بمناسبة وبدون مناسبة.

لعل اول هذه الملاحظات عدد الاسيرات التي كان يجب ان تشملهن الصفقة بعد ان قالت حماس بان تبييض السجون من الأسيرات هو من أساسيات الاتفاق لنكتشف ان هناك 9 اسيرات لم يرد لهن ذكر في صفقة حماس وقد شكل ذلك مصيبة لتتضح المصيبة الاكبر بان حماس لم تكن تعلم بوجودهن، السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يا حماس اليس هناك العديد من المؤسسات الفلسطينية التي تعني بشان الاسرى في السجون الاسرائيلية؟ اليس هناك قوى وفصائل فلسطينية وقيادات للحركة الاسيرة كان يمكن التنسيق معها على قاعدة تجنب الثغرات من اجل اسرانا واسيراتنا؟ لنسمع رد السيد خالد مشعل الرجل الاول في حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي يقول ومع ذلك لا يمكن التأجيل او إيقاف الصفقة فإلى أي مدى يعبر هذا الموقف عن وفاء للأسيرات والأسرى؟ او لم يكن بالإمكان التأني ليوم أو يومين أي تعليق التنفيذ لمرجعة هذا الإخفاق الذي وقع نتيجة للجهل بأعداد الأسيرات وأنا على قناعة انه لو حصل ذلك لرضخت إسرائيل وبيضت السجون من أخواتنا الأسيرات طالما ان القاعدة التي بني عليها هذا الاتفاق تقضي بتبييض السجون منهن، أم أن هناك ملاحق سرية في هذا الاتفاق أغلى واثمن؟

الملاحظة الثانية وهي مسألة الابعاد : أليست حماس من بين من هاجموا صفقة كنيسة المهد التي ابعد من خلالها عدد من المناضلين ممن احتموا بالكنيسة في ظل اجتياح قوات الاحتلال لمدينة بيت لحم عام 2002 ووصفت الرئيس الشهيد ياسر عرفات بالتفريط والتنازل تلك الصفقة التي ادارها محمد رشيد والتي كان للكثيرين من قيادات وكوادر فتح ملاحظات عليها كما لغيرهم، ثم الم يكن بامكان حركة حماس تضمين مبعدي المهد في الصفقة التي يصفونها بصفقة الوفاء للأحرار؟ ام انهم بالمطلق لم يكونوا على اجندة حركة حماس وقياداتها المفاوضة؟

الملاحظة الثالثة : القيادات من الصف الاول

لقد مارست حماس حملة دعائية لصالحها على حساب القيادات المعروفة كالامين العام للجبهة الشعبية المناضل  احمد سعدات والقائد الفتحاوي مروان البرغوثي مكررة اصرارها على عدم اتمام صفقة تبادل الاسرى ومنذ البدايات بدون ان يكون القائدين المذكورين على راس قائمة من سيفرج عنهم حتى وصل الأمر لدرجة الاتصال بذويهم للتحضير لاستقبالهم في سلسلة طويلة من الممارسات المخادعة وسيئة النية لنكتشف ان لا ذكر لهم ايضا كما حصل مع الأسيرات المنسيات في صفقة حماس هذا اذا ما اضفنا الى ذلك عددا من قيادات حماس الكبيرة في الضفة الغربية كعبدالله البرغوثي وعباس السيد وابراهيم حامد وآخرين ....

الملاحظة الرابعة : سجناء وسجينات الداخل  الفلسطيني

ان المدقق في قائمة المفرج عنهم يجد ان هناك عددا لا بأس به من اسرى الداخل الفلسطيني الذين كانوا ينتظرون هذه اللحظة للخلاص من قهر الاحتلال قد اغفلوا او تركوا ليبحثوا عن مصيرهم بعيدا عن اهتمام الاخوة بهم الامر الذي اشعل الغضب في نفوس وقلوب ذويهم الذين لم يتخيلوا لحظة التخلي عن ابنائهم ممن رهنوا حياتهم لحرية ابناء شعبهم فهل سقطوا من القائمة عفوا كما سقطت الاسيرات ايضا دون علم ومعرفة قيادة حماس التي اظهرت تصريحات قادتها وعلى راسهم خالد مشعل ان اهتمام حركتهم لا يتعدى اطار سجنائها وليس هناك أي نظرة شموليه للأسرى كأسرى للشعب الفلسطيني وليس من منطلقات فئوية ضيقة، بدليل ان الغالبية العظمى حوالي 75% هم من معتقلي حماس.

الملاحظة الخامسة: شمولية الصفقة اذ ان المتتبع لأسماء المفرج عنهم يلاحظ وبشكل جلي أن نسبة أسرى  الفصائل الوطنية في هذه الصفقة هي من باب رفع العتب وليس من باب الحرص على ان تتساوى المعايير في تحديد من شملتهم الصفقة وانما الانتماء السياسي شكل المعيار الاهم والاكثر قياسا وكأن الامر كان بالتشاور بين حماس واسرائيل على قاعدة خذ ما يهمك واترك ما يهم الاخرين للآخرين فاسرائيل ارادت شاليط وحماس أرادت سجناء حماس وضمان عدم التعرض لقياداتها اولا وقبل كل شيء والا فما معنى ان يكون حوالي 75% من المفرج عنهم من اسري حماس، نتنياهو وحكومته أرادوا تخفيف الضغوط الداخلية عليهم وفك العزلة الدولية عنهم وحماس أرادت أن تناكف القيادة الفلسطينية وان تظهر للعالم بأنه بالإمكان أن تشكل بديلا لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية في الحلبة السياسية وهذا حال رغبتها، وكلا الطرفين أراد ترطيب الأجواء مع الجانب المصري فكان له ذلك بهذه الصفقة التي رعتها مصر، وإسرائيل أرادت كسر إضراب الأسرى الذي لا تؤمن به حماس أصلا.  

الخلاصة التي يجب ان تقال في هذا الشأن: 

أن حماس أرادت أن تستعيد بعضا من تأييد الشارع الفلسطيني بعد خسارتها نسبة عالية مما تحظى به بعد ان اصطفت إلى جانب امريكا واسرائيل في رفضها لتوجه القيادة الفلسطينية الى الامم المتحدة للحصول على عضويتها للدولة الفلسطينية الموعودة فما كان الا ان خسرت أكثر....

كما جاءت الصفقة الى جانب محاولة حماس لكسب شيء من التاييد الذي خسرته ايضا لاعطاء نتنياهو انفراجا في الوضع الداخلي المتأزم وتخفيف العزلة التي تمر بها إسرائيل نتيجة انسداد الأفق السياسي، وهنا تلتقي مصلحة الجانبين في محاربة القيادة الفلسطينية وعلى راسها الرئيس الفلسطيني ابو مازن بعد النجاحات الكبيرة التي حققها ويحققها نتيجة للتحركات السياسية المعروفة للجميع وبعد أن أخذت الأمور تتكشف شيئا فشيئا وتدخل أمريكا في أمر الصفقة وطلبها من نتنياهو الإسراع في تنفيذها نكاية في أبو مازن الذي رفض أن يرضخ للضغوط الأمريكية في شأن التوجه للأمم المتحدة.

 أخيرا يبقى السؤال هل قبضت قيادة حماس المفاوضة ثمن التنازلات الكثيرة في صفقة التبادل بضمان عدم التعرض لحياتها من قبل الاحتلال؟.