بقلم: بشار دراغمة

في أعماق تلك القرية الفلسطينية، حيث تلتقي روعة الطبيعة بحكايات الأجداد، هناك حدث سنوي يمتزج فيه الزمان بالمكان، يودع هذا الحدث القرية لهذا العام تاركًا ذكريات الصيف مع روائح التين المعتقة، فلم يكن الموسم مجرد انتظار لمحصول يعيد الثمار إلى سوقها، بل هو مزيج فريد من الطقوس القديمة واللحظات الساحرة تملأ قلوب الأهالي بالبهجة والسعادة.

ففي الأيام الأخيرة من موسم التين في تل بمحافظة نابلس، يتمنى المزارعون في القرية لو كان موسهم على مدار العام، ليس لمردوده المادي، وإنما لطقوسه الخاصة، وحالة البهجة التي يفرضها على المواطنين سواء بائعين أو مستهلكين.

ويتنفس أهالي تل لحظات ساحرة تعبر من عبق الأرض وتحمل في طياتها ذكريات الصيف وجماله، يجدون أنفسهم أمام لوحة فنية تفوح بعبير الأشجار المثمرة والأرض الخصبة.

ويقول محمد عصيدة الذي ورث أشجار التين من عائلته وأحاطها باهتمام كبير: "موسم التين هنا ليس مجرد فصل من فصول السنة، بل هو حدث ينتظره الأهالي بشغف منذ فترة طويلة".

ويصف عصيدة لحظات سعادة يعيشها المواطنون، فيتجهون إلى أشجار التين محملين بأسلوب حياة تراثي ينقلهم إلى عالم آخر، عالم يتلألأ بألوان التين المتنوعة.
ويقول عصيدة: "أصوات الطيور تحيي الصباح، بينما الشمس ما زالت مختبئة في بقايا ظل ذلك اليوم، يتوجه المزارعون إلى حقولهم، محافظين على أسلوبهم التقليدي في جني ثمار التين التي يجب أن تكون قبل شروق الشمس، وفق تقنيات خاصة لجني التين تضمن الحفاظ على جودة التين العالية".

ويتحدث عصيدة عن أنواع متعددة من التين التلاوي منها الخرطماني والعناقي والحماضي، مشيرًا إلى أن عدد الأنواع في فلسطين يصل إلى 15 نوعًا، معظمها موجودة في قرية تل.

ويعلل عصيدة اشتهار تل بالتين بسبب بيئتها الجبلية وتربتها الداعمة لنمو هذه الشجرة ومنح أفضل الثمر.

يتحدث مواطنون كثُر عن موسم التين الذي يطوي صفحته لهذا العام، عن تفاصيل مغامراتهم في الحصول على ثمرة التين من الأشجار الموجودة على جنبات الطرقات.

وتعتقد أم خالد التي تفسح المجال دومًا للمارة للحصول على ما يريدون أن هذه عادات قديمة، وتزيد الموسم جمالاً وبهجة، وتعزز الاهتمام للأجيال القادمة في شجرة التين.

وتقول ضاحكة: "إلي بقطع حبة تين وهو مار من الطريق بحس إنه عمله إنجاز، هاي عادات جميلة ولازم تستمر".

رغم أن الأسعار ترتفع خلال موسم التين، إذ يمكن للكيلو الواحد أن يصل إلى عشرين شيقلاً وأكثر، إلا أن هذه الثمار تحمل قيمة موسمية لا تقاس بالأموال، فهي بالنسبة للمواطن أحمد صوالحة قيمة تعكس تراثًا حيًا وروحًا جماعية.

ويضيف صوالحة: "أشتري التين بشكل دائم خلال موسمه في فصل الصيف، اليوم يُطوى الموسم، وما هو متاح في السوق ليس إلا بعض ما علق في الأشجار، المواطنون يأكلون التين ليس فقط لفائدته وقيمته الغذائية، إنما هو تراث، وتشبت بالأرض".