ثمة أمثلة شعبية نتيجة حالة من العجز أو رغبة في خلط الأوراق، أو الهروب للأمام، يستخدم ويعمم أمثلة لا تصلح لا لبناء وعي، أو حتى مواقف، وإنما هي تسهم بالتضليل وغياب النقد، من بين هذه الأمثلة "إن ما خربت ما بتعمر" أو مثل آخر مشابه "إن ما كبرت ما بتصغر"، وهناك مثل "مثل هل القرد الله ما سخط".
بعد أسابيع من بداية حرب الإبادة الراهنة، وبعد أن أصبح مُدرَكًا أن إسرائيل ستدمر قطاع غزة، بدأنا نسمع من يستخدم هذه الأمثلة دون النظر للمأساة التي تحل بالبشر، ولا بخراب بيوتهم، ولا بالفقدان الذي يشعرون به، ولا بمقدرات الشعب الفلسطيني. والأهم في الحالة الفلسطينية، فإن الخراب من الصعب تعويضه في حين عدونا هناك عشرات الجهات التي تعوضه بالمال والسلاح وآخر تكنولوجيا عسكرية وتجسسية، والأهم أن إسرائيل وكما تسوق نفسها ويراها جزء كبير من العالم، وخاصة داعميها، إنها الدولة "اليهودية الوحيدة"، ولأنها دولة أقلية عالمية بالضرورة حمايتها.
وفي سياق، هذه الأمثلة، يحاول البعض ومن دون أي تدقيق بالطبيعة المختلفة للصراع والظروف المحيطة، يحاول المقارنة بين الجزائر وفلسطين، ويقول: "إن الجزائر ضحت بمليون إنسان كي تنال استقلالها"، وبالتالي فإن مسار الاستقلال هو التضحية ومزيد من التضحية فقط. في الجزائر، كان النظام الدولي الجديد الذي نتج عن الحرب العالمية الأولى يقوم بكنس النظام القديم، الذي كانت تقوده فرنسا وبريطانيا، لذلك لم يكن غريبًا أن تكون الولايات المتحدة مع خروج فرنسا من الجزائر، والدليل أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانا ضد العدوان الثلاثي على مصر وقناة السويس العام 1956 - 1957، وأجبرت القوات البريطانية والفرنسية، والقوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء على الجلاء والانسحاب، ولم تكن مصر مضطرة الى دفع تضحيات كبيرة، لأن النظام الدولي خدمها، والجزائر بالإضافة إلى تضحيات شعبها، فإن النظام الدولي آنذاك دعم الجلاء الفرنسي.
في الحالة الفلسطينية، فإنه وإلى جانب ان المشروع الصهيوني هو الركن المهم بالمشاريع الاستعمارية، فإنه كما سبقت الإشارة كثير من دول العالم تعتبر "دولة اليهود" وبالتالي لا يجب تصفيتها، بالإضافة إلى قوة اليهود والصهاينة المالية وفي الاقتصاد، وما ينعكس ذلك بنفوذ سياسي قوي على الساحة الدولة، لذلك ليس في كل الحالات استخدام هذه الأمثلة يصلح، ولا تضحيات الشعب الجزائري البطل تصلح أن تطبق على الحالة الفلسطينية، بالإضافة إلى أن الصراع الفلسطيني الصهيوني يدور على الرواية والتاريخ وعلى التراث، وهو ما لم يكن موجودًا في أي صراع آخر مع الاستعمار، فالرواية الصهيونية، ليس فقط لها داعمون، وإنما هناك من هم مؤمنون بها دينيًا وهم قطاعات واسعة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.
وثمة أهمية أخرى لا بد من الاشارة لها وهي أننا وفي غالبية المرات التي حققنا فيها نصرًا واضحًا أو مكسبًا وطنيًا هي في المرات التي واجهنا فيها هذا الاحتلال الصهيوني بأساليب المقاومة الشعبية السلمية، في الانتفاضة الأولى واكتسبنا تضامنًا عالميًا كبيرًا، وأجبرنا الصهيونية على أن تعترف بوجود الشعب الفلسطيني ووممثله الشرعي الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن كانت هذه الصهيونية تنفي وجودنا نفيًا قاطعًا. وهناك تجربة البوابات الالكترونية في القدس، عندما حاولت حكومة نتنياهو نصب بوابات إلكترونية على مداخل المسجد الأقصى، وانتصرت الهبة الشعبية في القدس على هذه الحكومة ومخططاتها، والتي شارك فيها المسلمون والمسيحيون، وكل فئات الشعب، هزمت انتفاضة القدس نتنياهو كما لم يهزم من قبل. وهناك تجارب بلعين والمقاومة الشعبية السلمية في الخان الأحمر، وفي المنطقة ""E -1، التي إذا أخذها الاستيطان الصهيوني سينفصل جنوب الضفة عن شمالها نهائيًا.
في صراع كصراع الشعب الفلسطيني مع الصهيونية والاستعمار، نحن بالعكس بحاجة أن نعزز وجود الشعب الفلسطيني على أرضه وننمي مقدراته بقدر ما نستطيع، وليس فقط بالتضحيات التي لا ضرورة لها في كثير من الأحيان، ويذهب فيها الدم هدرًا.
المسألة الإستراتيجية هي الصمود على الأرض وألا نقدم لدولة الاحتلال أية ذرائع كي تقوض هذا الصمود وبقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، نحن في حالة الدفاع عن النفس ومن الأفضل أن يكون دفاعنا شعبيًا سلميًا، وألا يستخدم السلاح إلا ضمن إستراتيجية وطنية متفق عليها، واستخدام مدروس ومحسوب جدًا جدًا.
إن جزءًا من كفاح الشعب الفلسطيني الأهم، في حالة مثل حالة صراعنا مع الصهيونية، هو عدم إعطاء الذرائع وتسهيل المخطط الإسرائيلي الصهيوني. وإذا نظرنا بعمق في تاريخ الصراع لاكتشفنا ببساطة كم ساهمت أخطاؤنا والذرائع التي نقدمها لدولة الاحتلال في تسهيل وتسريع مخططاتها التوسعية.
لذلك ليس دائمًا من الصحيح أن نقول: "إن ما خربت ما بتعمر"، أو "إن ما كبرت ما بتصغر"، لأن صراعنا مع الصهيونية ليس "طوشة عرب"، وإنما الصراع معها معقد ويحتاج إلى العقل اكثر من العضلات، أو بشكل أصح للعقل والعضلات بشكل منسق.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها