الثابت فلسطينيًا أن حدود دولة فلسطين مع جمهورية مصر العربية علامات سيادية فلسطينية، وهذا ما أكدته الرئاسة الفلسطينية في بيانها قبل أيام، وهي كذلك حسب قرارات الشرعية الدولية التي أقرت الدولة الفلسطينية، على حدود الرابع من حزيران لسنة 1967 والاتفاقيات التي رعتها الدول الكبرى، وكذلك الاتحاد الأوروبي الشريك في اتفاقية 2005 حول معبر رفح، أما الواقع المخالف للقانون الدولي فهو الاحتلال الإسرائيلي القائم الآن في قطاع غزة عمومًا، وسيطرة جيش الاحتلال المطلقة على الحدود بين فلسطين ومصر، والمعروفة إعلاميًا باسم "محور فيلادلفيا" وهو معبر مرور المسافرين بين البلدين، وهذا الواقع أصبح شبيها بالواقع القائم على المعبر الوحيد لمرور المسافرين الفلسطينيين من الضفة الغربية نحو المملكة الأردنية الهاشمية.
الواقع لا يغير ولن يغير من الحقائق التاريخية التي نؤمن بها، والتي قررتها الشرعية الدولية، لكن الأسئلة المطروحة الآن، التي لا يستطيع بنيامين نتنياهو "رئيس حكومة الصهيونية الدينية الاحتلالية الاستعمارية العنصرية" الإجابة عليها، رغم وقاحته السياسية، وقدرته على المناورة، والزج باسم مصر العربية في حرفته المعهودة لاصطناع الذرائع لتبرير استدامة الاحتلال، ولإضفاء شرعية مزورة على حملة الإبادة وإعادة تشكيل الاحتلال والاستعمار من جديد لفلسطين التاريخية والطبيعية، وتبرير جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني وذروتها الأفظع في قطاع غزة، فنتنياهو نجح بتشريع قانون في الكنيست، وبمقتضاه يمنع دولة الاحتلال إسرائيل من الاعتراف بدولة فلسطينية، ورفض الاعتراف بها من أي دولة أو أي جهة كانت، رغم إدراك منظومته أن قوانين الكنيست وقرارات حكومة الاحتلال ليست قدرًا، فقد أسقط الشعب الفلسطيني الكثير قبلها، حتى أن الشرعية الدولية قد ثبتت خلاصة الإرادة الوطنية الفلسطينية، والحق الفلسطيني، بفتوى محكمة العدل الدولية التي جاءت منسجمة تمامًا مع روح منهج ومبادئ السياسة الفلسطينية، والأسئلة الموجهة ليس لنتنياهو وحسب، بل لرؤساء حكومات الاحتلال الذين يتظاهرون بالمعارضة لسياسته:
- أولاً: كيف يجرؤ نتنياهو على زج اسم دولة مصر في قضية تهريب السلاح إلى حماس وهو الذي كان المسؤول الأول والأخير والمشرف عبر "جهاز الشاباك" الأمني وعن وصول الأموال بعشرات ملايين الدولارات شهريًا بالحقائب لفرع جماعة الإخوان المسلمين المسلح في فلسطين المسمى "حماس" بينما كانت مصر تخوض معركة مصيرية مع الجماعات الإرهابية في سيناء، وتدمر الأنفاق على الحدود التي كانت تأثيراتها السلبية الأمنية والاقتصادية على مصر كما تمنى نتنياهو وأكثر.
- ثانيًا: ألا يعرف نتنياهو موقف الدولة المصرية وشعب مصر من الإخوان المسلمين ومشتقاتهم، وكل من يساندهم ويتبنى مرجعياتهم، وأن الجهود التي بذلتها الدولة المصرية لاحتواء حماس باعتبارها سلطة الأمر الواقع في غزة، لم ولن تؤدي في يوم من الأيام إلى غض الطرف عن تهريب سلاح أو غيره لفرع الجماعة في فلسطين "حماس"، ولا غرابة أنه يتعامى عن علمه أن ملف التعامل مع حماس أمني، ومحصور بيد المخابرات المصرية تحديدًا، لكنه يزج بمصر لأهداف بعيدة المدى، لسياسات أرهصت لها تقارير إستراتيجية أمنية إسرائيلية، تدفعنا لفتح السؤال الثالث وهو: لماذا لا يصارح نتنياهو الجمهور الإسرائيلي بأن محاولة تطبيق مفاهيمه الخاصة على اتفاقيات السلام مع جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، فاشلة لأنه وحكومات إسرائيل الأخرى تنكروا للاتفاقيات مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي كان يجب أن تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة في العام 1999، فنتنياهو ذهب في ظنه بعيدًا، إلى حد الاعتقاد بأن مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية ستقبلان تهجير الملايين الفلسطينيين وتوطينهم، كبديل عن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي اعترفت وأقرت بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والسيادة.
أما السؤال الرابع: هل يحاول نتنياهو إخفاء تخوف منظومته من بقاء العقيدة الوطنية والقومية لجيش مصر العربية وقيادتها السياسية على حالها، وأن ظنون "ساسة دولة الاحتلال" والخبراء الإستراتيجيين والسياسيين العسكريين والأمنيين بتغييرها، مع مرور الوقت في ظل اتفاقيات السلام، كانت مجرد أضغاث أحلام. وأن محاولاته ستبؤ بالفشل لأن تقارير منظومته الطافحة بهذه التخوفات سبقته وباتت في متناول الباحثين والجمهور، وهذا يقودنا للسؤال الخامس: متى سيدرك نتنياهو وكل ذي علاقة بالمشروع الصهيوني الاستعماري العنصري أن السياسة العقلانية الواقعية المنتصرة لمبدأ السلام، لن تغير الثوابت لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. فالحق ملك للأجيال السابقة والحالية ولتي سيكون لها المستقبل بسلام وحرية وازدهار. فالاحتلال والاستيطان والإبادة جرائم حرب، وكذلك الحصار والتجويع والتدمير وقرصنة أموال الشعب الفلسطيني جرائم ضد الإنسانية، فما بين مبادئ السلام وبين وجرائم الحرب والإبادة العملية حدود لا يحق لأحد تجاوزها مهما كانت ذرائعه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها