اعتدنا أن نسمع عن أعداد الشهداء المفرط الذين ارتقوا بسبب ما يسمى الضغط العسكري على حركة حماس في غزة، والعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة والتي ذهب ضحيتها أكثر من خمسين ألف شهيد، ومئة وخمسين ألف جريح. لكن هناك الصامتون الذين لا يذكرهم أحد، الذين يلقون ربهم بسبب المرض ولا يتوفر لهم علاجات، أو الذين قضوا جوعًا، لم يحصلوا على طعام وقد نفذ الطعام من غزة، بسبب إغلاق المعابر تمامًا منذ شهرين، وعدم دخول المواد الغذائية، هم أيضًا ضحايا الحرب والحصار.

منذ أن أغلقت إسرائيل المعابر في قطاع غزة بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة، وبالرغم من شح المواد التي تم إدخالها قبل ذلك، بعد الاتفاق الذي تم توقيعه في التاسع عشر من كانون الثاني من بداية هذا العام، فقد أعلن نتنياهو عن فرض حصار مشدد على قطاع غزة، ومنع إدخال أي من المواد الغذائية والدوائية والتشغيلية إلى قطاع غزة.

خلف ستار الصمت تتوارى معاناة أهل غزة، فالمشهد الذي يتصدر وسائل الإعلام والمداولات والنقاشات في المحافل الدولية، يثير عواطف سرعان ما تخبو وتختفي. ولكن الذي يحدث في غزة ليس حدثًا عابرًا، إنها مأساة بشرية تمضي في صمت قاتل، بعيدًا عن وسائل الإعلام المحلية والدولية.

الموت الذي يحدث في غزة، ليس فقط يمكن أن تلاقيه بسبب القصف أو تحت الركام بل يحدث في المشافي، والمستوصفات الطبية التي تعاني من انعدام الدواء والمستلزمات الطبية، وفي أحضان الأمهات اللواتي عجزن عن ارضاع أطفالهن بسبب سوء التغذية، أو بسبب الزحام على طوابير الطعام والخبز. أيًا من فاته الموت الأول لاقى الموت الثاني، بين فعل العدوان على غزة، وصمت العالم المهترئ بإنسانيته.

إن أكثر ما يرهق النفس أن تعلم أن المرارة والضنك التي يتجرعها الغزيون، تمر بلا مبالاة كل العالم الذي تمر عليه تلك الكارثة بأشكالها وألوانها وأرقامها في صمت مطبق وكانت كلمات مظفر النواب لا تزال حاضرة في قوله: "تتحرك دكة غسل الموتى، أما أنتم فلا تهتز لكم قصبة".

الموت الصامت في غزة هو وجع في الخاصرة قصة تتحدث عن نفسها كل يوم، وفي كل ساعة بعيدة عن المرئيات والفضائيات تحدث لطفل جائع أو مريض لم يستطع أن يجد دواء، أو صدمة لا تحتمل أو مداس تحت الأقدام أمام طوابير الطعام والأفران.

الذي يريد أن يفرغ غزة من سكانها، يريد أن يخفي معالم جريمة من الصعب عليه إزالتها بوجود هذا العدد من التعداد البشري من الغزيين على أرضهم وفي وطنهم. الموت ثم الموت والتهجير من غزة، حيث تستكمل المخططات الصهيونية، في ظل صمت الصامتين.