لنا ياسر عرفات، لا في الحكاية، ولا في المخيلة، ولا في الذاكرة فحسب، وإنما في نسيج الروح، ونبض القلب، وواقع اللحظة التي لا تكف عن التجدد، وهذا يعني أنه الحاضر دومًا معنا وبيننا نحدثه، ويحدثنا، عن مسيرة الحرية ذاتها التي شق دروبها مع أخوته من مركزية "فتح" الأولى، كتيبة التأسيس والتكوين، لأجل أن نمضي شعبا حرًا في هذه الدروب، مكافحًا للوصول إلى سدرة المنتهى، حيث فلسطين العودة والاستقلال، فلسطين الدولة ذات السيادة بعاصمتها القدس الشرقية، فلسطين الأمن والسلام والاستقرار، وما زلنا في دروب هذه المسيرة نمضي أوفياء للعهد والوعد والقسم، وبهتاف ياسر عرفات الأيقونة "يا جبل ما يهزك ريح".
لنا ياسر عرفات، وقد ثبتت رؤية هلال الاستقلال، بعد أن بات لفلسطين مقعد دولة في حاضرة الأمم المتحدة، وإن كان مقعد المراقب، لكن إن هي إلا حتمية التاريخ لتكون دولة فلسطين كاملة العضوية، وقد باتت عالية بصروح السيادة والاستقلال، وخضراء بجغرافيا وطنها، وروح أهلها، وبحكم حقيقة أن شعبنا الفلسطيني بتضحياته العظيمة وكفاحه البطولي، وبالثبات الملحمي لقيادته الحكيمة والشجاعة في الزمان الفلسطيني ومكانه، بحكم هذه الحقيقة فإننا من يقود التاريخ إلى إقرار حتميته وتحققها على أرض الواقع، وبحكمها أيضًا، وعلى أرضيتها، وبقيمتها الاستراتيجية، تخلق هتافًا جديدًا، هتاف يقول بواقع الهوية الفلسطينية وطبيعتها بكونها هوية الفخر والاعتزاز، وهوية الانجاز، بقدر ما حققت وتحقق من حضور أخاذ بين أمم العالم، وشعوبه، كهوية نضالية، وإنسانية متحضرة في دروب نضالها العادل، وبكوفية ياسر عرفات الفلسطينية صارت موقفًا من مواقف التحدي لأحرار العالم ضد الظلم والعنصرية والاستبداد، إنه هتاف العزة الذي نادى به سيادة الرئيس أبو مازن "ارفعوا رؤوسكم فأنتم فلسطينيون" يوم رفع علم دولة فلسطين إلى جانب أعلام أمم الأرض جميعها في باحة الأمم المتحدة.
لنا ياسر عرفات ولأحرار العرب والعالم أجمع وللتاريخ الإنساني أن يزدهي به أيقونة للثبات الملحمي على مبادئ وقيم وغايات الحق والعدل والسلام.
لنا ياسر عرفات وسيبقى لنا زعيمًا، وتاريخًا، وأمثولة في سيرة حيوية لا تكف عن التواصل الحميم في واقعنا النضالي، ولهذا لا نراه في الضريح بقدر ما باتت روحه تطوف في روابي القدس ودروبها المقدسة، وبقوة حضورها نراه ماشيًا معنا في كل خطوة نمشيها في دروب مسيرتنا الحرة.
لا نحيي ذكراه اليوم، وهو الخالد فينا، وإنما نحن نحتفي بمعانيه الشمولية، وقيمه النضالية والانسانية في سيرته العطرة، ولا نفعل غير ما يمليه علينا تاريخه الحافل بالبطولة إلى حد الأسطورة، وقد بات تاريخًا لفلسطين وشعبها لا في النص فحسب، وإنما في الواقع الراهن كذلك، متجسدًا بما أنجز الزعيم وما حقق، حتى باتت فلسطين مالئة الدنيا وشاغلة الناس.
بايعناه زعيمًا في حياته، ونبايعه اليوم في ضريحه، عهدًا ووعدًا وقسمًا، برؤوسنا المرفوعة عاليًا، سنظل معًا وسويًا حتى القدس، حتى القدس، حتى القدس.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها