الشاعرة الفلسطينية نهى عودة

ننكبُّ على دَثرِ الذكريات
بين نكبةٍ ولجوء
يهمسُ الفلسطينيُّ:
لا يليق بك أيّها المُبْعد 
أن تجمع شجَنَك هنا أو هناك
شوارِعُك مَنكوبةٌ
مَلامحُك يغزوها الوَهن
جُرحك لا يلتئم
روحك مُهدَّدة بالقتل
وأيُّ قتلٍ
القتلُ المُنمَّقُ
شهقةٌ شهقةٌ
فقد يَتلوه فقدٌ
تُخبِرك الجدرانُ
بألَّا تجمع صُوَرَك ولا أوْراقك 
لا تُغنِّي لِزُقاقٍ
لا تَمرّ مِن مكانٍ
ستغدو غريبًا   
ستتآمر عليك جميعُ المدائن

أنا لم أكُنْ طيفًا 
ولا عابِر سبيلٍ
كنتُ أريد أن أكون مُمتلِئًا 
بِوَجَعي وفَرَحي
فلا شاهد قبرٍ.. تستطيع 
أحْرُفه أن تحتوي ألَمِي 
ولا قيامةً تَليق بكلِّ هذا التَّعَب

أريدُ اللّقاءَ الأخيرَ على صِبْغته الإنسانية
أخافُ أنْ تُبتَر لي يدٌ
أو حتى إصْبع 
أنا يا الله خُلِقتُ تحت مَرمى السِّلاح 
لم تُفِدني جميعُ الأدْعيةِ 
ولا أصواتُ المآذنِ
ولا التَّنظيماتُ السِّياسِيّة 
ولا التّنديداتُ..
فمَنْ أوْهَمَهُمْ بِتَركِ العلمِ
وأنَّ بالتَّهليلِ والتَّسْبيحِ
 ننتصرُ على العدوِّ
 وبِحَيَّ على الفَلَاحِ

لا الوطنُ تمكَّنْتُ من رؤيَتِه
لم تُنقِذْنِي الأماكنُ
والصَّلوات 
لم أتركْ شَعْري مَسدولًا 
ولا تعلَّمْتُ هوى الطُّرُقات

أريدُ ضفيرةً مَعجونةً بِنَسيمِ الملائكةِ
بِتَهْليلِ المُؤمنين 
ورغيفِ خبزٍ لمْ يَمتلئْ بالدَّمِ
فكَمْ أكرهُ تَنكيسَ الرَّايات

أنا يا الله
أرجوكَ موتًا طبيعيًّا
دُون لَمْلمَتِي مِن الفَجوات 
قَتلوا كلَّ شيءٍ فينا 
ولم تَزلْ تَتوالى علينا النَّكباتُ

أنا يا الله.. وُلِدتُ
وكلُّ البَنادقِ مُصوَّبةٌ نحو قَلبِي 
كلُّ الشِّعاراتِ
كلُّ الأبْواقِ
والأسْلحةِ الكَرتونِيَّةِ
وعلى جِنسيَّتِي تُلْصَق جميعُ الاتِّهاماتِ

عُمرِي تَأرْجَح بِكَفِّ عِفْريتٍ
والأملُ يَغُطُّ ثم يذهبُ
في سُباتٍ
وأنا عربيَّةٌ 
لا الأملَ مَلَّ ولا مَالَ
ولا مِلْتُ إلى الخذْلانِ
 أن يَمشِي في دَربي بِراحَتِه 
ولا لِخَيْبةٍ تَطيرُ في مَلَكوتِها
أنْ تأتي على فُؤادي 
وبه تَحُطُّ
يا وَجَعَ الأماكِنِ
الذِّكريات 
القلوب المُهتَرِئة 
 تَفيض دَمعتِي 
ولا الحزنُ في هذا القلب يُقْتَلُ
اخْتلطَت الأرضُ بين مِسْكٍ وتَكبيرٍ
بين دَمٍ 
ومِن الجُثَثِ الكثير 
بين أطْرافٍ سماوِيّةٍ
وشعائر وتَهْليل

أنا يا الله 
أنْزفُ مِن كلِّ مَداخل الرُّوح 
فلا جِنَان هنا 
لا نَهر نُوعَد به 
ولو آلافُ الدِّماءِ الطَّاهرةِ
بها تَوَضَّأتُ

أنا قُرْبانٌ لا يُقْبَل ولا يَرجِع أدراجَه 
فلا أؤْخَذ بِمِنَصَّاتِ الحُضورِ
أريدُهُ عُمْرًا ولو طَفِيفًا 
أن يكون أُسْطورِيًّا
فلا الموتُ يَنْفِينِي 
ولا الحياةُ تَصالَحْتُ يومًا معها
ولا كنتُ ما أحِبُّ أنْ أَكون