في تحدٍ لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يتسلق مزارع فلسطيني قمم أشجار النخيل مستعينًا بحبلٍ متين، لجني محصول هذا العام من البلح، رغم مخاطر القصف المحتمل في المنطقة، والتي قد تؤدي إلى إصابته، أو سقوطه أرضًا.
وداخل أرض زراعية بمدينة دير البلح وسط القطاع، حيث تناثرت خيام النزوح، يبدأ مزارعون ونازحون في جني محصول البلح في موسمه الذي شك مزارعون من قلة كمياته، وتردي جودته.
وغابت هذا العام عن قطاع غزة ملامح موسم جني "البلح"، والذي يتم افتتاحه سنويًا في الفترة الممتدة بين أواخر سبتمبر/ أيلول وأوائل أكتوبر/ تشرين الأول.
ومن أبرز هذه الملامح، إشراك أصحاب حقول النخيل أقاربهم في عملية الجني لإتاحة الفرصة لهم للحصول على مورد رزق، فضلاً عن توزيع عناقيد البلح على جيرانهم وأصدقائهم لتقوية الروابط الاجتماعية، فيما يوفر هذا الموسم فرص عمل لآلاف الفلسطينيين من المزارعين وغيرهم.
وكان هذا الموسم يعد مصدر دخل جيد لمزارعين وعاملين يتخذون من "البلح" مادة أولية لصناعتهم التحويلية كـ"العجوة والمربى والدبس"، لكن مع قلة الإنتاج يشعرون بالحزن.
وبسبب الحرب، لم يتمكن المزارعون من الاعتناء بأشجار النخيل عبر سقايتها، ورشها بالمبيدات اللازمة، ما أثر بدوره على كميات الإنتاج والجودة.
فيما استهدف الاحتلال خلال حربه المتواصلة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية المثمرة، بعضها مزروعًا بالنخيل.
كما تحولت الأراضي الزراعية المتبقية إلى مخيمات لإيواء النازحين الفارين من مناطقهم، التي استهدفها الجيش بكثافة نارية، باحثين عن مناطق أقل خطرًا.
- تراجع الجودة والإنتاج
تقول صاحبة الأرض "أم يوسف" أبو جميزة: إن "موسم جني البلح تضرر بشكل كبير هذا العام بسبب الحرب، وحالة الخوف من البدء بجني الثمار من قمم النخيل".
وأضافت: "تضررت الأشجار بشدة بسبب قلة السماد والأدوية والمبيدات الحشرية، وأيضًا غياب السقاية، بسبب انقطاع التيار الكهرباء المشغل لمولدات المياه".
وبعد أن كانت أبو جميزة تتفاخر بجودة حبات البلح التي تجنيها من حقلها الذي ترعاه وعائلتها بعناية، تشكو اليوم من "قلة الإنتاج وتردي الجودة".
واستكملت قائلة: "حبة البلح كانت ممتازة لكن الآن المحصول حباته صغيرة وكمياته قليلة، بالكاد قد نستطيع تحصيل تكلفته بعد بيعه".
وفي موسم 2023، كان عدد أشجار النخيل في القطاع يبلغ نحو 240 ألف نخلة، منها 180 ألفًا مثمرة، حيث بلغت توقعات إنتاجها نحو 15 ألف طن.
لكن الحرب أثرت على موسم العام الماضي، كما أثرت على موسم هذا العام، حيث استهدف جيش الاحتلال مساحات زراعية واسعة منذ 7 أكتوبر.
- إشراك النازحات
تحت أشجار النخيل، جلست مجموعة من السيدات النازحات أمام كميات من البلح، ليبدأن بفرزها ومن ثم نزع النوى منها.
ويعد الانتهاء من هذه المرحلة، تغسل السيدات الحبات من الغبار والتراب ويشرعن لاحقًا بترتيبها داخل صوان حديدية تمهيدا لتجفيفها تحت أشعة الشمس.
عكفت "أبو جميزة"، على تعليم هذه المراحل للنازحات المتواجدات في أرضها، فأصبح لديهن فكرة عن صناعة العجوة بالطريقة التقليدية.
كما توفر هذه الصناعة للنازحات مصدر دخل بسيط يعينهن على توفير احتياجات أطفالهن في ظل ندرة السلع الغذائية وغيرها المتزامنة مع غلاء المتوفر منها.
وأشارت أبو جميزة إلى أن حدوث قصف قريب منها من شأنه أن يضر بهذه الحبات حيث تمتلئ بالمواد الكيماوية ودخان القذائف ما يدفعها لرميها وخسارة كل هذا الجهد.
- توفير لقمة العيش
بدوره، قال النازح محمد البلبيسي الذي التجأ لأرض "أبو جميزة" قبل 5 أشهر، قادمًا من مدينة غزة: إنه "يشارك في جني المحصول لتوفير لقمة العيش لأطفاله".
وتابع: "الظروف القاسية التي أفرزتها الحرب والنزوح، من تردي الوضع الاقتصادي وانعدام فرص العمل، دفعتنا للعمل مع أبو جميزة".
وأوضح أنهم يسعون بقدر الإمكان وحسب الأعمال المتوفرة لتوفير لقمة العيش لأطفالهم في ظل الظروف الصعبة.
ويعيش النازحون الفلسطينيون أوضاعا معيشية وصحية صعبة، في ظل حرمان غالبيتهم من فرص العمل التي شغلوها قبل اندلاع الحرب.
ويعجز هؤلاء عن توفير احتياجات عائلاتهم الأساسية، بسبب انعدام السيولة لديهم، فيما يعمل العشرات منهم في مهن يومية مرهقة بالكاد تساهم في توفير القليل لعائلاتهم.
وحسب تقرير صدر مؤخرًا عن البنك الدولي، فإن كل سكان غزة يعانون الفقر مع بلوغ نسبته حاجز 100%، وإنه بعد 11 شهرًا من الحرب، تقترب الأراضي الفلسطينية من السقوط الاقتصادي الحر، وسط أزمة إنسانية تاريخية في القطاع".
وإلى جانب الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب، فقد خلفت حرب الإبادة المستمرة أكثر من 137 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها