بقلم: ميساء بشارات

في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها فلسطين، يعاني المواطنون من ارتفاع ملحوظ في أسعار بعض الخضار، ما يزيد من أعبائهم المالية.

شهدت أسواق الخضار في فلسطين ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار خلال الأيام القليلة الماضية، وسط ركود اقتصادي كبير في ظل تدهور القدرة الشرائية وتزايد تكاليف المعيشة، ووصفها الكثيرون بالأسعار المجنونة، متسائلين عن أسباب الارتفاع وموعد الانخفاض.

وعبر العديد من المواطنين عن استيائهم من الأسعار في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وقال مواطنٌ: "لم نعد نستطيع تحمل تكلفة شراء الخضار الأساسية، وأصبحنا نواجه مشاكل مالية لتوفير ما نحتاج من غذاء، واضطررنا لتقليل الكميات التي نشتريها".

ويتابع وهو يختار بعض ثمار الكوسا من سوق الخضار في نابلس: "للأسبوع الرابع على التوالي لم اشتر البندورة بسبب غلائها الفاحش".

ويتهم المواطنون بعض التجار بالجشع لسماحهم بتصدير كميات البندورة، في ظل حاجة سوقنا المحلي لها وعدم توفرها، مشيرين إلى أنه عندما يمتنع التجار عن بيعها بغير السوق المحلي فإن أسعارها ستنخفض وتعود كالمعتاد، مطالبين بزيادة الرقابة على الأسواق لمنع احتكار الخضار أو تصديرها عندما يكون الإنتاج المحلي غير كاف للسوق الفلسطيني.

وتشير رئيسة جمعية حماية المستهلك في مدينة نابلس فيحاء البحش، إلى أن الارتفاع في أسعار بعض الخضار ناتج من انتهاء القطاف من دورته القديمة وبداية دورة جديدة في الإنتاج، وهذا يجعل الكميات المتوفرة في السوق شحيحة وغير كافية للطلب، ما أدى لارتفاع أسعارها.

إضافة إلى أن جزءًا من الإنتاج يصدر، ما يقلل الكميات أكثر في سوقنا، كما أن عمليات النقل والتوصيل ما بين المحافظات تواجه صعوبة كبيرة بسبب حواجز الاحتلال والاغلاقات والاقتحامات التي ترفع تكلفة النقل على الكثير من البضائع، والتي بتكبدها بالنهاية المستهلك.

وتتابع البحش: أن "التغيرات المناخية، وموجات الحرارة والجفاف أديا إلى تراجع الإنتاج الزراعي، ما أثر على كمية المعروض من الخضار في الأسواق، موضحة أن قطاع غزة أيضًا كان قبل السابع من تشرين الأول الماضي، موردًا لبعض أنواع الخضار لسوق الضفة، وحاليًا أصبح الانتاج في غزة صفراً، بسب الانقطاع عن الزراعة وتدمير الأراضي الزراعية والحرب التي يشهدها القطاع ليصبح القطاع بحاجة إلى الاستيراد".

وتضيف: أن منع إسرائيل لعمليات التوريد التي كانت تتم ما بين الجانبين الفلسطيني والأردني أثر على الكميات بالسوق، ما أدى لزيادة الطلب وقلة العرض، كما أن ضعف القيمة الشرائية الموجودة والسيولة المتوفرة بين الناس أدى إلى تحكم التاجر بالأسعار واختياره لأي الأسواق يبيع المنتج، حسب السعر، معتقدةً أنه مع الدورة الجديدة للإنتاج خلال الأسابيع القادمة ستنخفض الأسعار تدريجيًا.

وتنوه البحش إلى أن حماية المستهلك طلبت من الحكومة أن يكون هناك ضغوطات من طرفها وخاصة وزارة الزراعة ودور في تحديد الكميات المسموح بتصديرها في حال الاضطرار لعملية تبادل تجاري في ظل شح المعروض في سوقنا الفلسطيني، مؤكدةً أن حالة الفوضى من اقتحامات واغلاقات وحواجز تحيل دون عمل الجهات المختصة في ضبط السوق الفلسطيني، وتحد من وجود الاسناد لديها والعمل بدورها الطبيعي للحد من التهريب.

وتنوه إلى أنه في هذا التوقيت من كل عام تشهد الأسواق ارتفاعات في أسعار بعض الخضار بسبب التقلبات الموسمية، لكنه لم يسبق وأن وصلت الأسعار لما وصلت اليه اليوم، بخاصة لبعض السلع التي تعتبر أساسية ولا يمكن الاستغناء عنها.

بدوره، يقول مدير مديرية الزراعة في محافظة طوباس، أحمد الطاهر: إن "السبب الرئيسي هو أن غزة التي كانت تعتبر المورد الرئيسي للضفة من الخضار بخاصة البندورة، تحولت إلى مستهلك". إضافة إلى تصدير بعض الإنتاج، ما أدى إلى نقص المعروض في السوق، كما أن بعض التعاملات التجارية والاقتصادية بين الجانب الفلسطيني والأردني متوقفة بسبب منع الاحتلال حاليًا للاستيراد.

كما أن هذه الفترة تعتبر فترة تحول موسمي من نهاية موسم إلى البدء بموسم جديد، يتمثل في إعداد الأرض للزراعة لموسم جديد.

ولا يتفق الطاهر مع آراء بعض المواطنين الذين طالبوا بوقف التصدير في ظل عدم كفاية المعروض في السوق المحلي، مشيرًا إلى أن هذا الموضوع من اختصاص حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني وجمعيات حماية المستهلك، ووزارة الزراعة تقوم بعمليات مراقبة الانتاج بمواصفات جيدة وسليمة.

ولفت إلى أن الأسعار تخضع للعرض والطلب، فعندما تكون الكميات كثيرة تنخفض الأسعار وعندما تكون قليلة في ظل الطلب عليها ترتفع الأسعار، فلا أحد يستطيع تحديد الأسعار.

بدوره، يؤكد وكيل مساعد القطاع الاقتصادي في وزارة الزراعة طارق أبو لبن، على حديث الطاهر والبحش أن السبب في الارتفاع هو التحول الموسمي، ما يؤدي إلى نقص في الكميات على مستوى الوطن، كما أن المزارع العاملة تقل فيها الإنتاجية بسبب عدم عقد الثمار في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ما يقلل من الإنتاج بشكل كبير، مشيرًا إلى أن هذه الفترة تسمى تاريخيًا الفجوة بين العروات والانتقال من انتاج الأراضي في السهل إلى الجبل بسبب درجات الحرارة العالية، إضافة إلى تزويد المحافظات الجنوبية من الوطن بالخضراوات، بعد الحرب على القطاع، الذي حولها لمستوردة.

كما أن صادرات الأردن من الخضار والفواكه إلى فلسطين متوقفة أصلاً، في أعقاب إشاعة الاحتلال أن المياه الزراعية في الجانب الأردني "مسرطنة"، ما استدعى وقف عمليات التصدير. وأن حركة التبادل التجاري توقفت بعد عملية "الكرامة".

ويتوقع أبو لبن انخفاض الأسعار مع بدء الانتاج للموسم الجديد، مؤكدًا أن وزارة الزراعة تعمل من أجل مصلحة المزارع وزيادة ربحه وبقاؤه في الأرض، والحفاظ عليها.

ويحضر المزارع رأفت شواهين ببيت البلاستيك خاصته في بلدة طمون شرق مدينة نابلس، لزراعته بموسم جديد من البندورة، يقول: "الآن لا يوجد مساحات كبيرة تنتج البندورة، فقد انتهى الموسم ونحضر لموسم جديد وهذا ما رفع أسعارها".

ويضيف: أنه عندما تصل أسعار الخضار إلى أدنى مستوياتها لا نرى تذمرًا من الناس ولا احتجاجًا  على أحوال المزارع الذي يتعرض لمخاطرة كبيرة في موسمه من أحوال الطقس وغيرها، ولا نجد الدعم أو تحديد سعر معين إنصافًا له، ولضمان عدم خسارته،  بينما في حال غلاء الأسعار فإن الجميع يتذمر متناسين أن مدخلات الإنتاج مكلفة جدًا والمخاطرة بالقطاع الزراعي عالية، وفي بعض المواسم قد تصيب وبعضها قد يخيب.

وكان الجهاز المركزي للإحصاء أعلن أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك في فلسطين سجل ارتفاعاً نسبته 1.72% خلال شهر آب 2024 مقارنة مع شهر تموز 2024، بواقع 1.96% في قطاع غزة، وبنسبة 1.55% في الضفة الغربية.

ونتج ارتفاع الأسعار في فلسطين عن ارتفاع أسعار الخضراوات الطازجة بنسبة 40.53%، وأسعار البطاطا بنسبة 29.69%، وأسعار الخضروات المجففة بنسبة 24.32%، وأسعار الفواكه الطازجة بنسبة 6.24%.

وعند مقارنة الأسعار خلال شهر آب 2024 مع شهر آب 2023، تشير البيانات إلى ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك في فلسطين بنسبة 53.17%، بواقع 248.36% في قطاع غزة، وبنسبة 4.70% في القدس وبنسبة 3.00% في الضفة.

إن ارتفاع أسعار الخضار في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة يمثل تحديًا كبيرًا للمواطنين ويتطلب تعاونًا مشتركًا بين الحكومة والمزارع والمواطن لتخفيف الضغوط على الأسر وضمان ربح المزارع.