خاص مجلة "القدس" العدد 341 أيلول 2017 بقلم: محمد سرور
ضاقت حلقة الخيارات أمام المتطرفين الذين أخذوا بعض أحياءِ مخيم عين الحلوة رهائن انحرافهم وتكفيرهم وإجرامهم. لم يبقَ أمامهم إلا تسليم أنفسهم أو انتظار مصيرهم المحتوم.
تلك ليست دعاية استهلاكية للحظة الراهنة، بل نتيجة طبيعية لقرب نهاية مشروعهم الأسود الذي راهنوا على انتصاره منذ نشأتهم وحتى الآن.
ضُربت البنى التحتية من رعاع وهمجِ وحاقدين، بحيث قاربوا إنهاء مهمّة انتحارهم، مع ما جلبته من مآس وويلاتٍ وخسائر لا تعدُّ ولا تُحصى.
عين الحلوة، مخيّم اللاجئين من ديارهم، الصابرين على وجعهم وجراحهم العميقة... المزمنة، الراضين بما قدّر لهم من مصير قاس ومجحف، يجب أن يعيشوا الأمن والأمان. يجب أن تزاحَ عنهم غيوم الترهيب والقتل والغدر الجبان. يجب أن يتفرغوا لمواجهة واقعهم القاسي. إن لديهم من الضغوط والمتطلبات ما تنوخ به همم شبابه وما يعجز عن حمله الكهول والمسنون.
يجب أن يتّقي الله المتاجرون بآلام الناس، والمظلِّلون للإرهابيين المقيمين على تخوم محميّاتهم وفي أكنافهم ومراكزهم ومشافيهم وبيوتِ آلهتهم. يجب على المفتين بتحريم اعتقال وتسليم المجرمين التكفيريين للأجهزة الأمنية اللبنانية أن يفتحوا عيونهم جيدا، حيث انتهى زمن شرعهم الأسود، وانتهى زمن اللعب في برازخ وصدوع القضايا والمواقف. فالذين استطاعوا تسليم فلان وفلان من الارهابيين، قادرون على فعلها وفعلها مراتٍ ومرات. شبعنا دفع ضرائب هنا وهناك... وشبعنا أيضا لعبة المتطرف والمعتدل بينهم... كلهم شركاء في اللعبة القذرة، إلى أن يُثبتوا العكس.
لا يوجد عاقل فلسطيني، ولا عاقل لبناني، إلا ويتذكّر مخيم نهر البارد ومصيره. ولا يوجد عاقل ولا يتذكر الأدوار المشبوهة التي لعبتها هيئة علماء المسلمين... ذاكرة الأحرار والشرفاء الحريصة والضنينة على شعبٍ، حمل أهوال وخذلان العالم في تفاصيل يومياته ولحظاته، لا يمكن أن تنسى.
لقد احترفت حركة فتح بناء الأجنحة وتبادل الأدوار منذ العام 1968، فالجميع يذكر حركة أيلول الأسود، التي خطفت الطائرات واستهدفت العدو وأجهزة مخابراته في كل مكان من عالمنا... أشدّد على كلمة استهداف العدو، أي المحتل الصهيوني وحده دون سواه. هنا الحكمة، أي اللعب مع العدو بلعبته... والتي أجادتها حركة فتح في مواجهته.
كفى للمخيم الصامد والصابر أن يُستعملَ منفى للنفايات البشرية المتعددة الجنسيات. وكفى استهتارًا بآمال وتطلعاتِ الأهالي المنذورين للتعب والجراح، من حقّ هؤلاء أن ينعموا بفتات الحياة وبنسمةٍ من هواء نظيف... لم تلوّثه قذارة التطرف والتعصّب والتكفير.
يجب أن تُغلق المدارس التي تدسُّ سمَّ التكفير في الماء والطعام والهواء والمنابر المتوحشة والحاقدة. يجب أن يخرسَ الشياطين الذين يسمّمون حياة الفتيةِ والأطفال في حلقات " وعظهم وإرشادهم". فأن نسمع طفلاً يصفُ أحد مناضلي حركة فتح بال "كافر والجاحد" نسأل من أين أتى طفلٌ، لا يعرف معنى ما يتفوّه به، بهذه المفردات؟ لن نحصي شهداء حركة فتح بسبب التصفيات وعمليات الغدر الجبانة التي يحسبها بعض الواعظين الأشاوس بأنها أعمال انتقامٍ شخصية، ماذا عن علي عبدو، الذي أقاموا عليه الحدَّ فأردوه برصاص غدرهم عنوة؟ ماذا عن وسام أبو الكل الذي لحق بمن سبقه عام 2014 بذريعةِ تناول الذات الإلهية؟ ماذا عن إقفال أحياء بكاملها كأوكار لهم ولغرائزهم؟ ماذا عن ملاحقة الناس والتحقيق مع كل من تقع عليه أعينهم وشكوكهم؟ بالمناسبة: لسنا ولن نكون مع أية شتيمة أو إساءة، لكن أي إنسان قد يقع في الخطأ... فالله الذي لا نعبد إلاه غفور عفوٌّ رحيم... وهو الأجدر بالحساب والعقاب، ولن يحتاج للحثالة من خلقه النطق باسمه والمحاسبة على بركته.
مساحة المخيم كلها كيلو متر واحد. عندما يسيطر هؤلاء على عدد من أحيائه، كم يبقى من مساحة الكلم الواحد؟
يجب أن يعلم كل المتذاكين أن زمن ذرّ الرماد في العيون قد انتهى، وأن الجميع أمام مسؤولياتهم التي لا تعفي أحدا... قد يكون بعض المشايخ، جمال خطّاب مثل على ذلك، بصدد مراجعة خطبهم التي لم تتوانَ عن إفراغ قيئها فوق منابر بيوت الله. سوف تطول الصفنة، وتبتكرُ الأفكار والأحاديث التي تدور حول نفسها 90 درجة مئوية. سوف يستجدي أصحاب الفضيلةِ ملكة العقل وجنيّة الفكر كي تسعفهم بما سوف يقولونه لأتباعهم وروّاد منابرهم. لقد انتهى زمن مساواة المجرم والقاتل بحارس المخيم وابن شعبه الأصيل الذي نذر نفسه للقضية وحرية شعبه ووطنه.
وانتهى، كما هو واضح، زمن دلع البعض وغنجهم، كل الأرجل تحت العصا، لم تعد الفضائيات والدواوين والقصور تنفع المتأنقين الضاربين كفّا بكفّ... تعبيرا عن نظافتها. الكفُّ النظيفة هي الأمينة على شعبها وجيرة شعبها واحترام ضيافة البلد الذي يساوي أمنه بأمن كل من فيه. لا يوجد كفُّ نظيفة لا تطالب إلا بالمال والترف والبذخ، وجلّ ما تقوم به أنها لا تفعل شيئا. والغريب العجيب أنها لا تكفُّ عن النقيق والصياح والمواء، لا تكفّ عن محفوظاتٍ عفا عليها وعنها الزمن، كلما حدّثتهم يبدأون الكلام من سنةِ ولادتهم وينسون أن الجواب بضع كلمات... على هؤلاء أن يعلموا أيضا: لا ينتظر الصباح صياح الديك.
لا نستطيع إلا مباركة الجهود المتضافرة من جهات الحرص كافة، ونخص أولئك الحاملين همّ أمن المخيّم والبلد... الذين تقلقهم الحالة الشاذة في بعض أحياء المخيم المسكين. فالأهم في تلك اللقاءات أنها تضع الأمور في نصابها، وتحدّد المسؤوليات... من خلال الضرب على الطاولة والقول الصريح بضرورة تفكيك الحالة الشاذة واليتيمة المتبقية.
ومع أني للأسف، لم أصل حدَّ الشعور بالأمل ومنح الثقة لحركة حماس، حول مصداقيّة قرارها بحل اللجنة الادارية في قطاع غزة، وطلبها من حكومة الوفاق الوطني القدوم إلى غزة، لأننا اكتوينا بجمر التجارب المشؤومة مع قيادة لا تؤمن بوطن وبقرار يضع مصلحة الوطن في أعلى قائمة اهتماماتها. فلا يوجد عاقل يرضى بأن يصبح قاتل أبناء فتح والسلطة الوطنية عضوا في السلطة التي اغتصبها. وهنا لا بدّ من الاشارة إلى مسألتين: قد تكون سلة القرضاوي ومن ورائه قطر قد فرغت من الفتاوى والدولارات. وقد يكون لمسألة إعادة الأمور إلى نصابها في مخيم عين الحلوة حصة من التحوّل السحري في مواقف حركة المقاومة الاسلامية. باختصار، المواقف الجديدة- الطازجة لحماس تمنح شعورين متناقضين... تحسمهما الأيام القادمة، يضاف إليهما بالطبع الكلمة الفصل للتيار الأقوى: تيار كتائب القسّام الذي يتصدّره محمود الزهّار.
بدأت ماكينة حماس السياسية تعمل وفق مساحة المصالح المتناقضة من إيران إلى القاهرة. فالأولى تشكل الدعم المالي- العسكري، فيما الثانية تشكل الرئة الوحيدة التي تتنفس منها حماس في غزة. بين هاتين الملاحظتين الحاسمتين تبرز مسألة بدء انكفاء المشاريع الدموية التي تراقصت فوق العديد من الأقطار العربية، ومعها انكفأت أحلام الحركة الاسلامية عن دور المراهن على تلك المشاريع الآيلة إلى الأفول.
هل يكون تحوّل حماس عن حركة الأخوان المسلمين حقيقيًا؟ وهل يكون لهذا التحوّل منحىً إيجابيًا على صعيد إسهامها في تفكيك الحالة التكفيرية في عين الحلوة؟ بانتظار أن تتبلور الأمور أكثر... مع تكرار قناعتنا بأن: الثقة غير موجودة تجاه حركة حماس، انطلاقًا من تجارب بدأت منذ العام 2007.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها