- حين تتزين المعاناة ويُغمر الألم
في زوايا غزة المدمرة، حيث الركام يروي فصولاً من الألم والحصار، تلمع أضواء زينة رمضان، وتنتشر مشاهد الإفطارات الجماعية التي تنقل عبر عدسات الهواتف المحمولة إلى ملايين المشاهدين حول العالم، صور تبعث الأمل ربما، لكنها في الوقت ذاته تخفي وراءها واقعًا أكثر قسوة؛ واقع أكثر من مليوني مواطن ممن لا يجدون ما يسد رمقهم، في خيمة تكاد تقيهم برد الليل أو شمس النهار.
- تجميل المأساة أم توثيقها؟
في ظل الحصار الخانق وانقطاع المساعدات الإنسانية، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور تظهر شوارع مدمرة لكنها مزينة بمصابيح رمضان، وإفطارات جماعية تقام فوق الأنقاض، ورغم أن هذه المشاهد قد تبدو احتفاءً بالحياة في وجه الموت، إلا أنها تطرح تساؤلات جوهرية: هل تسهم هذه الصور في نقل الحقيقة أم أنها تستخدم كأداة لتجميل واقع مأساوي؟.
يعيش مئات الآلاف من سكان غزة في ظروف كارثية، بلا طعام أو ماء نظيف، ويعانون من نقص حاد في المساعدات التي تعرقل دخولها القيود المشددة، ومع ذلك، تبرز على وسائل التواصل صور تروج لصمود غزة بطريقة قد تبدو أحيانًا منفصلة عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه الغزيون؛ فبينما تضاء الشوارع المهدمة بالفوانيس، تبقى منازل عشرات آلاف الأسر مظلمة، بلا كهرباء ولا مصدر للدفء.
- التباين بين الواقع وما يعرض
لا يمكن إنكار أن أهالي غزة، الذين اعتادوا على مواجهة الأزمات، يسعون لإضفاء لمسة من الأمل على حياتهم، لكن المشكلة تكمن في استخدام هذه المشاهد لإخفاء المعاناة الحقيقية؛ إذ أن نشر هذه الصور قد يساهم ولو بشكل غير مقصود، في تهميش المأساة وإيهام العالم بأن غزة بخير.
وسائل الإعلام التقليدية، وكذلك منصات التواصل الاجتماعي، تمارس دورًا في ترسيخ هذه الصورة الزائفة، حيث تفضل بعض الجهات التركيز على لقطات "الحياة تستمر" بدلاً من نقل حقيقة الكارثة الإنسانية المستمرة، وبدلاً من أن تكون السوشال ميديا وسيلة لكشف المعاناة وتسليط الضوء على الحاجة الملحة للمساعدات، تحولت في بعض الأحيان إلى أداة لصنع "مشهد جميل" يخفي وراءه البؤس والجوع والعطش.
- المأساة الحقيقية خلف الكاميرا
خلف الكاميرات، هناك أطفال ينامون جوعى، وعائلات تبحث عن المياه النظيفة، ومرضى يموتون بسبب نقص الدواء، هناك معاناة لا تلتقطها عدسات المصورين، لأن الكاميرا تفضل أحيانًا التقاط مشاهد أكثر بريقًا، ورغم أهمية إظهار صمود غزة، فإن هذا لا يعني طمس معاناتها أو تجميلها، بل يجب أن يكون الإعلام أداة لنقل الواقع بكل تناقضاته، وليس لتقديم صورة انتقائية تخدم روايات غير مكتملة.
- الحقيقة لا تجمل، والمعاناة لا تزيف
إن محاولة تجميل مأساة غزة ليست مجرد تغافل عن الحقيقة، بل هي خيانة لدموع الجوعى وصمت المهجّرين وصرخات المحتاجين، فعندما تتحول المعاناة إلى مشهد قابل للتسويق، وعندما تضاء الكاميرات لتغطي الدمار بالفوانيس بدلاً من تسليط الضوء على كارثة إنسانية ممتدة، فإننا لا نوثق الصمود، بل نشارك في تزوير الواقع.
قطاع غزة لا يحتاج إلى زينة تضيء ظلام مأساته، بل يحتاج إلى عدسات تنقل معاناة أهله بلا رتوش، إلى إعلام لا يخدع ولا يجمل، إلى أصوات تصرخ بالحقيقة بدلاً من أن تهمس بأوهام الأمل المصطنع، فخلف كل لقطة منمقة، هناك جوع، وعطش، وخيام تمزقها الرياح، وأطفال يحلمون لا بالأضواء، بل بلقمة تسد جوعهم ومأوى يحميهم.
المأساة الحقيقية لا تكمن فقط في الركام، بل في محاولات إخفائه، ومن يتغاضى عن الألم بحجة تجميل الصورة، إنما يشارك في تعميق الجرح، لا مداواته.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها