خاص مجلة القدس
غزة / منال خميس
بعد انقسامٍ مرير شلَّ الحياة الفلسطينية الاقتصاديَّة والثقافيَّة والسياسيَّة، ولاسيما في قطاع غزة، أعلنت وزارة الحكم المحلي على لسان وزيرها حسين الأعرج عن بدء التحضيرات الرَّسمية لإجراء انتخابات المجالس المحليَّة في قطاع غزة والضفة الغربية، على أن يكون الثامن من شهر تشرين الأول المقبل موعدَ انعقاد انتخابات البلديات في محافظات الوطن كافةً.
وينتظرُ الفلسطينيون منذ أكثر من عشر سنوات، تلك اللحظة التي يتوجَّهون فيها إلى صناديق الاقتراع، وخاصةً في قطاع غزَّة، آملين أن يكون في ذلك سبيلٌ للخلاص من الحصار والعُزلة الدوليَّة التي يعيشونها، وباختصار ربما تكون نافذةً للخلاص من حكم حماس التي تسيطر بقوتها العسكرية على قطاع غزة منذ العام 2007م.
ومن المقرَّر أن تتولَّى لجنة الانتخابات المركزية، مهمَّة الإشراف على تنفيذ هذه الانتخابات، كما أنَّها ستختار الجهة التي ستُشرف على تأمينها والجهات التي ستُساعدها في العمليَّة الرّقابية لضمان انتخابات حُرّة ونزيهة.
ورغم الصدمة التي أصابت حركة حماس من إصرار الرئيس محمود عبّاس على إجراء الانتخابات المحلّية في موعدها، إلا أنّها وافقت في بيان رسمي صدرَ عنها على المشاركة فيها، والسماح بها في قطاع غزة.
كذلك أعلنت الفصائل الفلسطينية مشاركتها الفاعلة بهذه الانتخابات، حيث أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والقوى الديمقراطية الخمس نيَّتها خوضَ الانتخابات المحليّة المُقبلة عبر قائمة موحّدة ذات كفاءة ومهنيَّة.
وتتوقَّع الفصائل السابقة أنَّ مشاركتها في الانتخابات من الممكن أن تؤدي إلى كسر حالة الاستقطاب الحاد بين حركتَي "فتح" و"حماس"، على أن يتم التعامل مع الانتخابات المقبلة باعتبارها جزءاً من عملية ديمقراطية لا بدَّ أن تُستكمَل بالانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني.
كذلك أعلنت أربعة فصائل في منظمة التحرير الفلسطينية عن تشكيلها قائمة مشتركة لخوض انتخابات البلديات، تحت اسم "الائتلاف الوطني الديمقراطي"، والذي يضُمُّ جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وجبهة التحرير الفلسطينية، والجبهة العربية الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية.
أمَّا حركة "فتح" فقد قرَّرت خوضَ هذه الانتخابات بكل ثقلها، وبقوائم واحدة موحَّدة، وخصوصاً في قطاع غزة، آملةً أن يكون إجراء الانتخابات المحلية مقدِّمة لإنهاء الانقسام والوصول إلى شراكة حقيقية في انتخابات عامّة للمجلس الوطني والمجلس التشريعي والرئاسة الفلسطينية.
مجلة "القدس" التقت عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، الدكتورة آمال حمد في حوار خاص حول رؤية حركة "فتح" وبوصلتها تجاه هذه الانتخابات.
نحن الآن في خضم التجهيز للانتخابات المحلّية، هل هناك تجهيزات خاصة بحركة "فتح"؟ وهل البيئة مهيَّأة وآمنة لإجراء هذه الانتخابات؟
تاريخياً كانت بوصلة حركة "فتح" الديمقراطية هي الاحتكام لرأي الشعب الفلسطيني، ونحن نعتبرُ هذه الانتخابات عرساً ديمقراطيًّا، نحن معنيون أن نمارسه بجدارة، ومسؤولية، ومهنية، وبانتماء وطني خالص على أرضية إشراك أبناء شعبنا الفلسطيني في ممارسة حقّهم بانتخاب مَن يمثّلهم في البلديات ومعالجة كافة الملفات ذات العلاقة، كما نأمل أن تؤسِّس هذه الانتخابات لمرحلة قادمة تكون فيها انتخابات برلمانية ورئاسية، ونذهب باتجاه وحدة وطنية، هذه هي بوصلة "فتح" واستراتيجية عمل "فتح"، نحن لسنا دخلاء على العملية الديمقراطية، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى بيئة آمنة، ومناخ ديمقراطي في التعدُّدية وحرية التعبير عن الرأي، كما يحتاج إلى الاحتكام لقانون الانتخابات المحلّية، والى وثيقة الشرف التي وقّعتها كافة الفصائل، ووضعت خلالها جملة من الالتزامات على كل الفصائل، باتجاه إعطاء الحقوق إلى كل أبناء شعبنا في أن يمارسوا حقّهم الديمقراطي بمسؤولية وحرية.
هل من الممكن إجراء هذه الانتخابات بدون تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية؟
نأمل أن تكون هذه الانتخابات بوابة أساسية، وحجرَ أساس، بحيث نتمكّن من أن نبني عليها، لأنَّ هذه الانتخابات تلامس حياة المواطن وتتحدَّث عن احتياجاته اليومية من كهرباء، وماء، وبنية تحتية، وعن حصار خانق على قطاع غزة، وارتفاع في نسبة البطالة في غزة، وتتحدّث عن أعلى نسبة فقر، وعن أنَّ الجهات المانحة نتيجة سيطرة حركة حماس على البلديات، لا تقدِّم خدمات، ولا مشاريع تطويرية لقطاع غزة، من هنا نقول إنّه من الممكن أن تكون بداية تتمكَّن من خلالها حركة "فتح" انطلاقاً من البلديات، من جلب مزيد من المشاريع التي من شأنها أن تساعد في تخفيف الفقر والبطالة، وفي تصريف شؤون حياة المواطن الذي تعرَّض إلى تغييبٍ لسيادة القانون، والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكميم الأفواه، والحصار المطبق، هذه البوابة أساسية، خاضتها حركة "فتح" في الضفة الغربية، وهذا الاستحقاق الانتخابي الآن هو الاستحقاق الثاني، ونتمنّى أن نذهب قدماً فيه، وألّا تطرأ معيقات من حركة "حماس"، بوضع حُجَج لها علاقة بوضع أمني، أو بالاستدعاء والاعتقالات لأبناء "فتح"، أو بمنعنا من ممارسة حقّنا الديمقراطي بحرية، أو منعنا من ممارسة برنامجنا الانتخابي وبرنامجنا الوطني بديمقراطية، وعموماً نحن لن نصدر أحكاماً مسبقة الآن، بل سننتظر الميدان والأرض.
برأيكم هل من الممكن أن تعزِّز هذه الانتخابات الانقسام بسبب اختلاف الرؤى والاستراتيجيات لفتح وحماس كل على حدة، وللفصائل الفلسطينية الأخرى من جهة أخرى؟
إذا منعت "حماس" أبناء "فتح" من ممارسة حقِّهم الديمقراطي والتعبير عن خياراتهم بحرية، قد تكون لذلك تبعات سلبية، وبغضِّ النظر عن طبيعة الاختلاف في البرامج ولكن عندما تكون البوصلة هي الوطن والمواطن، نحن في حركة "فتح" لن تكون لدينا أي مشكلة، كذلك فالبرنامج السياسي لا خلافَ فيه بين "فتح" و"حماس"، و"حماس" في أكثر من دولة وأكثر من مؤتمر تحدَّثت عن دولة على حدود الرابع من حزيران، فهل هم وقتما يريدون يلتزمون بهذا ووقتما لا يريدون يقولون فلسطين من النهر إلى البحر؟! هذا الكلام ليس كلاماً سياسيّاً سليماً! نحن بوصلتنا واضحة نتحدَّث عن دولة وعن أن التناقض الرئيس هو مع الاحتلال وليس مع شعبنا الفلسطيني، ونحن نعتبر حماس جزءاً من نسيجنا الاجتماعي فلا يمكن لحركة "فتح" أن تلغي "حماس" ولا يمكن لحركة "حماس" أن تلغي "فتح"، تحت أي ظرف، "فتح" قوةٌ لها ثقلها ووزنها الجماهيري والسياسي والشعبي والوطني، تآمرت علينا دول عظمى، لتنهي حركة "فتح"، ولكن حركتنا بقيت صامدة في وجه كل الصعاب، بقيت متحدِّية رغم كل الظروف، بقيت بوصلتها واضحة تجاه شعبها ومشروعها الوطني والإنساني والخدماتي لكل أبناء شعبنا الفلسطيني.
في حال فوز حركة "فتح" في الانتخابات وبالتحديد في غزة، ماذا ستقدّم للناس خصوصاً في ظل إرث خدماتي شبه مدمَّر كلياً؟
بداية نحن سعداء بهذه الانتخابات، وفي الواقع كان هناك رهان حقيقي على أن "فتح" متشرذمة، والبعض قرَّر دخول الانتخابات على أرضية أن "فتح" انكسرت، ولكنّهم مخطئون لأنَّ "فتح" دائمًا توحِّدها الأزمات، وهي الآن موحَّدة في معركة الوحدة الوطنية ومعركة العرس الديمقراطي بكل أُطُرها وقواعدها وقياداتها على أرضية أنّ البوصلة "فتح"، وهذا يُعدُّ مكسباً ورصيداً إضافيّاً للشعب الفلسطيني. نعم هناك أيدٍ خفية لعبت داخل الساحة الفلسطينية وداخل حركة "فتح"، ولكن الآن نقول للجميع هذه هي قبيلة "فتح"، جمهور "فتح"، هذه عظمة "فتح" وقوتها، "فتح" متجذّرة بحجم الشهداء والتضحيات والعطاء، بحجم الأسرى في سجون الاحتلال، وبحجم الدم الذي نزف من أبناء الحركة، والجرحى والمصابين، وبحجم المعركة التي خضناها في كل المراحل، من الكرامة إلى بيروت حيث الصمود الأسطوري "فتح" متجذّرة وباقية.
بلا شك هناك إرث خدماتي سِّيئ كبير وليس بسيطاً، بسبب فشل حماس في إدارة البلديات، وهذا مسؤوليته كبيرة، ولكن في النهاية قانون الانتخابات النسبي يتحدّث عن شراكة، وبالتأكيد سيكون الإخوة في حماس شركاء معنا، وهذه الشراكة تملي حلولاً وخطوات قابلة للتنفيذ، وأخرى لا، لذا نحن لا نتحدّث عن حلول سحرية أو آنية أو لحظية بل نتحدّث عن بوصلة، مثلاً أزمة الكهرباء ممكن علاجها لأنها تمس حياة المواطن، كذلك مشكلة المياه يمكن علاجها، وهناك بعض الحلول للبطالة والفقر، إذا استجلبنا مشاريع تشغّل خرّيجينا وأبناءنا، ولكن أكرّر أنّه لا يوجد لدى أحد مصباح سحري يمكنه أن يعالج إرث عشر سنوات من القهر، وتكميم الأفواه، والتعيينات غير المنطقية، والخارجة عن إطار القانون، بالتأكيد ستكون هناك مراجعات، ولكن نحن مع استحقاق أي مواطن بعيداً عن انتمائه الحزبي أو السياسي، لأنّها "فتح" أُم الجماهير. نحن شعبٌ واحد، ولذا اليوم أناشد جميع أبناء شعبنا، وليس فقط أبناء حركتنا، أن ينتخبوا "فتح"، لأنّ هذه انتخابات وطنية مجتمعية وليست انتخاباتٍ فتحاوية، فنحن لسنا ذاهبين للانتخاب داخل أُطُر "فتح"، إنّما ذاهبون في معركة انتخابات وطنية مجتمعية، وبرأيي بوصلة الجماهير حركة "فتح" كونها التنظيم الأكثر قدرة على تقديم الخدمات وتخفيف المعاناة والفقر عن أبناء شعبنا.
في العام 2012 خسرت اللوائح الرسمية لفتح في الانتخابات البلدية، بسبب خلافات "فتح" الداخلية، ألا يُخشَى من نفس النتائج هذه المرة أيضاً؟
لسنا خائفين لسببين، السبب الأول أنّنا في العام 2012 لم يكن لدينا خصم سياسي واضح بهذه القوة وهذا الحجم. السبب الثاني أنه لم تكن لدينا قوائم واحدة، بل كانت لدينا أكثر من قائمة، لأنّنا تركنا أريحيّة لأبنائنا أن يختاروا قوائم بالشكل الذي يُرضيهم، أمّا اليوم فلدينا قرار واضح أن "فتح" قائمة واحدة فقط، وغير مسموح لأي أحدٍ أن يخرج عن قائمة "فتح"، ولا أن يذهب لأيِّ تنظيم آخر، وسيكون لدينا ثواب وعقاب. لقد قدَّمنا في غزة لوائح واضحة لـ25 بلدية في المحافظات الخمس، بشعار حركة "فتح" "كتلة التحرر الوطني والبناء"، ولم يعد هناك مجال للحديث عن قوائم أخرى، ولا عن أي بدائل، بوصلتنا واضحة في غزة، وآمل أن يكون الوضع في الضفة مماثلاً، وهناك جهد واضح ومبذول من الجميع كما نرى. ونعرف أنَّ الانتخابات لها بُعدٌ سياسيٌّ على المستوى الإقليمي والدولي والمحلّي، وستحدِّد للذين راهنوا أن "فتح" انتهت، حجمَ "فتح" الحقيقي وثقلها ووجودها.
برأيكم لماذا وافقت حماس على إجراء الانتخابات؟ هل هي واثقة من الفوز أم أنّ هناك أسباباً أخرى؟
حماس كانت تراهن على أنَّ "فتح" مفتّتة ومتشرذمة، وبالتالي رأت أن هذه فرصتها، و"حماس" مِن الذين عمِلوا فعلياً على زيادة الشرخ داخل "فتح"، فقد سمعتُم بالفترة الأخيرة عن القوائم المضروبة، هنا وهناك بِـاسم "فتح"، والدعايات هنا وهناك، والطابور الخامس الذي كان يسعى لنشر الفتنة والبلبلة داخل "فتح"، أنا اقول لأبنائنا ولشعبنا إنَّ "فتح" خطابها واحد وقوائمها واحدة وليست اثنتَين، ومرجعيّاتها واحدة وليست اثنتَين، وشرعيتنا واحدة هي القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عبّاس واللجنة المركزية والمجلس الثوري، وأُطرنا محدَّدة وواضحة، ليس فيها لبس أو سياقات أخرى. هذه إحدى القضايا، الشيء الثاني أنَّ إرث عشر سنوات كبير وضخم وحماس تتنصّل منه، وهي إن لم تستطع حملَ هذا العبء فعليها أن تعترف، وألّا تستمر في إلصاقه بالآخرين، يجب أن تخاطبَ حماس شعبنا بمصداقية أكبر.
هل للوضع في الضفة الغربية انعكاسٌ بأيّ شكل على الانتخابات في قطاع غزة؟ وما مدى صحة ما قالته حماس عن أنها قرَّرت مقاطعة انتخابات جنين في 64 هيئة محلّية بسبب ملاحقة عناصرها هناك وعدم تهيئة الأجواء؟ أم أنّها تتهرّب من هذا الاستحقاق الانتخابي؟
قد تكون هذه بدايةً أو مؤشّراً على أنّ "حماس" لا ترغب بدخول الانتخابات أصلاً، وهي تحاول أن تجِد ذرائع من أجل التهُّرب والتنصُّل من الانتخابات، وتراهن على الانقسام داخل "فتح"، ولكن ذلك لم ينجح معها، وقد راهنَت على بثِّ الاشاعات والفتن ولم تنجح، هي تريد بوابة تهرب منها من العملية الديمقراطية بأكملها، وهذه قد تكون البداية من أجل التنصُّل من الموضوع، لا يوجد ملاحقات في الضفة لأفراد "حماس"، ولو أنَ هناك ملاحقات لسمعنا من لجنة الانتخابات المركزية بذلك، نحن وقّعنا على ميثاق شرف مثل باقي الفصائل، ونلتزم بقانون الانتخابات الذي صدرَ عن لجنة الانتخابات المركزية، وبوثيقة الشرف التي وقّعنا عليها، وآملُ ألّا يكون هناك انسحاب من الانتخابات، وقد صدرَ قرارٌ من اللجنة المركزية في الاجتماع الاخير.. نحن ذاهبون ذاهبون الى الانتخابات.
هل أنهيتُم تشكيل قوائم الحركة؟ وعلى ماذا اعتمدتُم في اختيار المرشَّحين؟
كانت بوصلتنا أنّها انتخابات وطنية مجتمعية خدماتية، بمنطق أن المنتخَب، سيخدم الشعب، فهو لا يعمل في منطقة تنظيمية، بالتالي اعتمدنا في الاختيار على معايير السمعة الطيبة والمؤهل العِلمي إضافة للوضع التنظيمي والسلوك والمهنية والكفاءة، والدراية بموضوع البلديات، وتوفُّر الاهتمام والقدرة على القيام بهذه المسؤولية.. هل هو فتح صافٍ؟ ام مؤازر لفتح؟ او حتى مستقل؟ ليست لدينا مشكلة في ذلك، المهم أن تُقدَّم الخدمة لأبناء شعبنا ضمن كفاءات وطنية مهنية، وقد راعينا الكفاءات والشباب والمرأة حسب قانون تمثيل المرأة في كل قوائمنا الانتخابية، ونحن سلّمنا القوائم، وذاهبون الى الانتخابات.. وسننتصر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها