محاولات تتواصل لتغيير الواقع الديموغرافي في قطاع غزة، مع إنشاء المزيد من المناطق العازلة، بالتزامن مع مفاوضات تجري وأحاديث تتواتر عن انفراجة في ملف الصفقة. هذا المشهد ناقشته الإعلامية مريم سليمان عبر قناة فلسطيننا، مع الباحث في العلوم السياسية والسياسات العامة، الدكتور يحيى قاعود.

بدايةً أكَّد قعود، أنَّ قطاع غزة يشهد منذ نحو شهر هجومًا عسكريًا جديدًا يختلف عن المراحل السابقة من العدوان، إذ بات يركز على احتلال الأراضي فعليًا، كما حدث في مدينة رفح التي تم إخلاؤها بالكامل من سكانها وتحويلها إلى منطقة عازلة، ما يعني أنَّ أكثر من 20% من مساحة القطاع أصبحت تحت سيطرة الاحتلال، بما في ذلك أجزاء من محافظة خان يونس.

وتابع، الأمر الأخطر هو ما يظهر من خلال “خرائط الإخلاء” التي نشرها الاحتلال، حيث طُلب من سكان معظم مناطق القطاع إخلاء منازلهم، وفي سابقة خطيرة، يتم قصفهم قبل أن يتمكنوا من مغادرة المناطق المستهدفة، خلافًا لما كان يحدث سابقًا من منح مهلة زمنية قصيرة.

وقد تجلى ذلك بوضوح في استهداف مستشفى المعمداني آخر مستشفى يعمل في غزة، حيث تعرض لقصف مباشر، كما تم استهداف النازحين والمرضى والجرحى الذين كانوا يحاولون الهرب، باستخدام الطائرات المسيّرة، في مناطق مختلفة مثل ساحة الشوا وسط المدينة.

كما لم تسلم مدارس النازحين من القصف، مما يعكس نية الاحتلال في تفريغ القطاع بالكامل من سكانه، وجعل الحياة فيه مستحيلة، سواء من حيث الإقامة أو إعادة الإعمار لاحقًا. مشددًا على أنَّ ما يجري هو إبادة منهجية تشمل تدمير البنية التحتية، المستشفيات، المدارس، ومصادرة الأراضي، ضمن مخطط واضح للتهجير القسري.

وحول استعداد إسرائيل للذهاب نحو صفقة شاملة، لاسيما مع وضع نتنياهو مصلحته السياسية فوق أي اعتبار، علق قعود، أنَّ الاحتلال لم يتنازل أو ينحرف لحظة عن هدفه الأساسي وهو تهجير سكان قطاع غزة وقتل من يبقى، وبالتالي كل المؤشرات تشير، بأن نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية ترفض بشكل قاطع الوصول إلى أي تسوية، حتى في موضوع المحتجزين، لأنه يريد استمرار هذه الإبادة للمضي نحو التهجير القسري، من خلال ضرب كل مناحي ومقومات الحياة في قطاع غزة.

وأضاف، أنَّ هناك تغيرات هائلة في الإقليم، هذا على مستوى الاحتلال والتمدد والتهديدات، وكذلك أيضاً على المستوى التنموي والاقتصادي. وفي حال تصاعد الصراع، سيكون هناك تضرر في الاقتصاد، السياسة، التنمية، وخصوصاً التنمية المستدامة. بتالي كل الدول المجاورة تعاني بشكل كبير الآن، وتتأثر بشكل سلبي، وأيضًا الدول العربية البعيدة، تتأثر بكل هذه التطورات. مشددًا على أنَّ لا يمكن أن نتحدث عن استقرار في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في ظل بيئة صراعية مشتعلة.

وأكَّد، بالرغم من أنَّ الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بشكل كامل، بل تشاركها في هذه الإبادة والمقتلة، لكنها ترفض أن ترسم إسرائيل توجهاتها في الشرق الأوسط، وإنما تفرض عليها انصياعًا كاملًا. لذلك حتى اللحظة، الدولة الوحيدة القادرة على إرغام إسرائيل على وقف الحرب أو تمرير المساعدات إلى قطاع غزة، فقط هي الولايات المتحدة.

وتابع، من زاوية أخرى، فإن مسألة التمدد الإسرائيلي وطبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، مرتبطة بتحقيق الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل. وشددا، أنَّ دونالد ترامب قد طرح فكرة نقل السكان الفلسطينيين، وفتح قنوات تواصل مع عدد من الدول العربية في محاولة لتمرير هذا المخطط، إلا أنه اصطدم برفض واسع عربيًا ودوليًا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، رغم انحيازه المعلن لإسرائيل. ومع ذلك، لا يزال الخطاب الدولي يتحدث عن دولة فلسطينية، وحل الدولتين، وقيامها على حدود الرابع من حزيران.

وختم حديثه قائلاً: "بناءً على هذا الواقع، فإن الاحتلال، بعدما فشل في فرض التهجير كخيار معلن، لجأ إلى تنفيذه بشكل تدريجي وفعلي على الأرض دون إعلان رسمي".