رغم كل السواد الطاغي على تفاصيل حياة اللاجئ الفلسطيني، إلا أن عينه تبقى على وطنٍ يراه لا يضيع أبداً، وثمة من يحاول اقتلاع هذّه العين ،محاولةً منهم ترسيخ تردي أوضاعه بعدما لجأ من سوريا، مكان تواجده الثاني بعد نكبة فلسطين، إثرالأزمة السورية، التي لاتزال تقلب دواليب عمرها دونما إطفاء لجذوة الحرب هناك.
ومع استمرار مسلسل اتفاقيات الحل لأوضاع المخيمات الفلسطينية في سوريا، غير القابل للحل حتى اللحظة ، وعلى رأسها مخيم اليرموك، أكبر تجمعات اللاجئين الفلسطينيين، يتواصل الحديث عن احتمال تطبيق سيناريوهاتٍ متوقعة، تجر الوضع الأمني نحو حلٍّ عسكريٍّ لتثبيته ميدانياً، من أجل تأمين المنطقة الجنوبية للعاصمة السورية دمشق، كالسيناريو  الذي يقول ببدء هجوم عسكريٍّ محتمل في مخيم اليرموك ومنطقة الحجر الأسود وجنوبها، بجبهةٍ تتألف من مقاتلين من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني، ضد مجموعات مسلحي المعارضة السورية من داعش وجبهة النصرة ولواء الاسلام، ضمن اتفاقات مع الحكومة السورية، لم يـُعلن عنها بشكلٍ نهائي حسب الظروف السياسية والعسكرية.
ورغم أن هذا السيناريو سيؤدي في حال تنفيذه إلى إخراج كتائب المعارضة، فإنه يشكـّل تخوفاً كبيراً لدى اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا، يتجلى في خشيتهم  من تدمير جزءٍ كبيرٍ من منازلهم في اليرموك. إثر البدء بالهجوم الآنف الذِّكر، خاصةً أن تواجد عناصر المعارضة يشكل امتداداً جغرافياً كبيراً نسبياً في المخيم، حيث تتناوب بالتمركز العسكري وبالترتيب تبادلياً حارةً بعد حارة، بين رؤوس المعارضة، وبالتالي، في حال بدء ساعة الصفر، لن يبقى حجرٌ على حجر، مما يضعف الأمل بعودتهم إلى منازلهم في القريب العاجل المرسوم بالوعود والاتفاقات المتوالية دونما جدوى، بل يثقل كاهل ذلك اللاجئ ويبرز صورة مخيم نهر البارد في لبنان كتجربة ظاهرة للعيان ومستمرة، البارد الذي انتظر سنوات دونما إكمالٍ لإعماره، ودونما تحمل للمسؤولية من الاونروا تجاههم.
كما أن التصفيات والاغتيالات الأخيرة الداخلية للمعارضة السورية في اليرموك، تعكس أثرها السلبي والخطير على العائلات المحاصرة في المخيم ، حيث يعيشون حياةً ملؤها الرعب ، فضلاً عن معاناتهم من الحصار والاشتباكات وانقطاع الكهرباء والماء وكل مقومات الحياة، أولئك الذين تربطهم القرابة بعائلاتٍ خارج المخيم بل خارج سوريا ممن هجِّروا قسراً إبَّان الحرب في سوريا، وبالتالي يمتد الأثر حكماً عليهم، عبر قلقٍ لا ينتهي.
كذلك يتواصل جمود أوضاع بقية المخيمات حيث تراوح في مربع الَّلا حلّ، بين استمرار سكان بعضها في حالة نزوحٍ عنها، ورزوح بعضها تحت شدة الأزمة الاقتصادية وفقاً لتداعيات الحرب في سوريا، من غلاءٍ في المعيشة وشل الحركة الاقتصادية وانعدام لمقومات الحياة كما ذكرنا.
وكما أن الشعب الفلسطيني واحدٌ في كل مكان، فلا بد أن يتقاسم المعاناة كونه فلسطينياً، فالمهجرون منهم من سوريا إلى البلدان المجاورة، لا يزالون حديث الصحافة والمنظمات الحقوقية، ويكسرون الأرقام القياسية بالتداول في جداول إحصائيّاتهم، وآخرها الصادرة عن الأونروا في تموز 2015، حيث تواجد إلى ذلك الحين 425 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان و6 آلاف في مصر و15500 في الأردن.
لكن تلك الأعداد قد انخفضت ، نظراً لوصول جزء كبيرِ منهم إلى أوروبا بلغ 71 ألف لاجئ عبر الهجرة غير الشرعية وعودة جزءٍ إلى سوريا، وتقدَّر أعدادهم الحالية حتى شباط 2016  حسب لجنة متابعة المهجرين الفلسطينيين بـ 28 ألف لاجئ في لبنان.
بينما تشير إحصائيات غير رسمية إلى انخفاضهم حتى 33 ألف لاجئ في لبنان ، ورغم ذلك يعاني اللاجئ عدم وجود الوقفات الانسانية حتى الخجولة منها ويتساءلون، عن سبب استمرار الإهمال في إيجاد الحل المناسب.
إن تلك العائلات المتبقية في دول الجوار وخاصةً لبنان، تعاني حالة قلق شديدة، نتيجة سوء أوضاعهم المعيشية والأمنية والتعليمية والصحية والمدنية، وتقييد حركتهم، والمضايقات على الحاجز الأمنية بشكلٍ ملحوظ، من تهديد بالاعتقال رجالاً ونساء ً، وتفتيش لملفات الجوالات الخاصة بهم، لمجرد معرفتهم بجنسيتهم.
كما أن فقدان الطلاب الجامعيين أعواماً من أعمارهم، دون استكمالٍ لسنوات الدراسة، ودونما منحةٍ دراسية، يشكِّلُ خطراً محتماً على فئة الشباب بكافة ما تعنيه الكلمة.
كذلك الأمراض المتزايدة الناجمة عن عدم قدرتهم تغطية تكاليف العلاج، حيث تبقى موارد المساعدة من هذا الباب محدودة، بحكم شح التمويل كما في الملف الطبي في "م.ت.ف" في لبنان، المخصص للمرضى اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، رغم أنه يعتبر طاقة  فرجٍ  للكثير منهم، كونه الأكثر تخصصاً بقضاياهم، وخاصةً الأمراض المستعصية، لكنه يبقى غير كاف، ولا نغفل المصيبة الأعظم وهي شح مساعدات الأونروا في ظل تقليصات خدماتها.
ليضاف ذلك إلى سلَّة المتاعب الملقاة على كاهل ذلك اللاجئ، واستفحال حالة عدم الاستقرار، الديمغرافي وحتى النفسي، بشكل ملحوظ اجتماعياً واقتصادياً، كذلك استمرار تشتت العائلات حتى في الدائرة الصغيرة الأولى المؤلفة من الوالدين والأبناء، وكذلك العائلات التي هاجر أحد أفرادها إلى الخارج وتنتظر على أحر من الجمر دورها في جمع الشمل، بسبب تأخر فتح ملفاتهم من قبل الدولة المضيفة، حتى أن جزءاً كبيراً ممن هاجر إلى أوروبا، يعانون بشدة، كونهم يقبعون في أقاصي الأراضي البعيدة عشرات الكيلومترات عن أقاربهم أو معارفهم.
وبالعودة إلى حال العائلات الفلسطينية اللاجئة من سوريا والمتبقية في لبنان وحتى في الأردن أو مصر، فإنها تعلن عن اكتفائها من احتساء كأس الظلم والإهمال لأوضاعهم .
لذلك لابد من مخارج وحلولٍ قانونية ٍ لهؤلاء اللاجئين، حفظاً لكرامتهم في البلدان المضيفة، من باب الانسانية والقومية العربية، التي كان يتم التغني بها، وتكسبهم حقوقهم الوطنية والسياسية، كونهم جزءاً من الشعب الفلسطيني، فقضيتهم هي الأعدل، والسراب لن يـُبقي الطريق في تيهٍ دائم، لأنه انعكاس لوجود منبعٍ حقيقيٍّ للمياه، كما أخبرت الطبيعة عبر العصور، فلا بد للحلول أن تتوافق مع البوصلة، فتوجه الخطوات إلى الطريق... طريق الاستقرار والاستقلال.