الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية على الشعب الفلسطيني نحو عام كامل، وتلازم ذلك مع ما يجري في الساحة اللبنانية من جرائم حرب مجنونة تعاظمت وتوحشت في الأيام القليلة الماضية، طالت الأراضي اللبنانية كافة، وخاصة في الضاحية الجنوبية من بيروت والجنوب والبقاع ضد أبناء الشعب اللبناني الشقيق عمومًا، وقيادات وكوادر وعائلات أنصار حزب الله اللبناني خصوصًا، سقط نتاجها آلاف الشهداء والجرحى وفي مقدمتهم السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، ودمار هائل يشبه ما وقع في قطاع غزة، كما ترافق في هجوم وحشي على اليمن الشقيق أمس الأحد 29 أيلول/ سبتمبر الحالي تركز على مدينة الحديدية ومينائها، وأيضًا في استهداف متوالي على الأراضي السورية في أكثر من محافظة ومدينة، وقد توسع دولة إسرائيل عدوانها على عدد آخر من الدول الشقيقة، تحقيقًا للهدف الأميركي الغربي الرأسمالي الإسرائيلي تغيير معالم الشرق الأوسط القديم الجديد، وتسيد الدولة العبرية عليه.
الأسئلة المطروحة على المراقبين جميعًا من مختلف المشارب والاتجاهات كثيرة وعديدة، منها، هل إسرائيل قادرة لوحدها على فتح الجبهات المختلفة، أم هي بمثابة رأس حربة للغرب بقيادة الولايات المتحدة؟ وهل الدولة المارقة والخارجة على القانون بعيدة عن التداعيات والأزمات نتاج هذا الانفلات من عقال القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي؟ وإلى أي مدى ستؤثر تلك الأزمات على مستقبل الدولة الإسرائيلية؟ وما هي الارتدادات اللاحقة على الدولة اللقيطة؟ وهل هذا الجنون الدموي الوحشي يحقق أهداف نتنياهو وحزبه وائتلافه ودولة إسرائيل، أم لا؟ وهل سيسقط هذا الإرهاب الدولاني وجرائم الإبادة الجماعية ملاحقة نتنياهو وأركان ائتلافه وقادة جيشه القاتل؟ وهل يمكن لإسرائيل وسادتها في الغرب وخاصة في واشنطن تحقيق هدفهم الاستراتيجي في الشروط الراهنة؟ ألم يطرح هدفهم منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي مع اشتعال الحرب الاهلية اللبنانية 1975، وبعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد الأولى 1979، ثم حرب الخليج الثانية 1991، واحتلال العراق الشقيق 2003، وما يسمى الربيع العربي 2011؟.

كثيرة الأسئلة ومتداخلة التي يمكن إثارتها في هذا المضمار. لكن بتكثيف شديد سأحاول الإجابة عليها، لعلني أتمكن من تغطيتها قدر المستطاع، وبالضرورة من وجهة نظري الشخصية. أولاً دولة إسرائيل التي اعتمدت في حروبها منذ وجدت في فلسطين على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني 1948، على نظرية الحرب الخاطفة والسريعة،  لأنها لا تستطيع تحمل أعباء حرب طويلة ومتعددة الجبهات لوحدها، وما كان يمكن لها فتح أبواب حرب الأرض المحروقة بعد 7 تشرين اول/ أكتوبر 2023 على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، لولا وقوف الغرب الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما أكده الرئيس بايدن عندما قال: "ما كان لإسرائيل أن تقف على أقدامها لولا تدخل أميركا وحلفائها إلى جانب إسرائيل"؛ ثانيًا خاضت إسرائيل الإبادة الجماعية على فلسطين ولبنان واليمن وسوريا وفق خطة استراتيجية مشتركة مع الإدارة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا وأستراليا، ومن يدور في فلكهم من دول الإقليم لتحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل بإعادة هيكلة الشرق الأوسط؛ ثالثًا إسرائيل تعيش منذ زمن بعيد جملة من الازمات السياسية والعسكرية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية، والحرب الدائرة عمقت مجمل الأزمات، وما زالت تتسع وتتعاظم تلك الأزمات الداخلية، وتحمل في طياتها تداعيات خطيرة على مستقبل دولة المشروع الصهيوني. بيد أن من يخفف من حدة الأزمات تدخل الغرب الامبريالي المباشر وقيادة دفة الحروب على الشعب الفلسطيني خاصة والشعوب العربية في لبنان واليمن وسوريا؛ رابعًا رغم هذا التدخل المباشر بالسلاح والعتاد والقوات والأساطيل البحرية والمال والاقتصاد والدعم اللوجستي والسياسي والديبلوماسي والإعلامي والتغول على المنابر الأممية كافة لمواصلة الإبادة الجماعية، إلا أن ذلك لا يعني أن الارتدادات لن تصيب إسرائيل في مقتل، لأنها تركت آثارًا كبيرة على المجتمع الإسرائيلي؛ خامسًا استطاع نتنياهو وائتلافه الحاكم النازي من خدمة العديد من الأهداف الشخصية وتحسين مكانة الليكود في استطلاعات الرأي الأخيرة، وبهذا عززت نسبيًا مكانة الائتلاف بالمقارنة مع أحزاب المعارضة الإسرائيلية، الشريكة في الإبادة الجماعية والحروب الدائرة على الدول الشقيقة وبخاصة لبنان، لكنه لم يحسن من وضع ومكانة إسرائيل على المستويين الإقليمي والدولي، حيث تعيش إسرائيل عزلة تشبه لحد بعيد سنوات وجودها الأولى، لا بل أكثر من ذلك بعدما افتضحت صورتها كدولة إبادة جماعية ودولة تطهير عرقي وخارجة على القانون الدولي.

كما أن التحسن النسبي في مكانة رئيس الوزراء وحزبه وائتلافه، هو تحسن مؤقت ولحظي، سيتحول إلى نقيضه في المستقبل المنظور. كما أن المحاكم الأممية ستلاحق رجل إسرائيل القوي وقادة حيشه وائتلافه النازي، كمجرمي حرب؛ سادسًا لا أعتقد أن هدفهم الاستراتيجي بتغيير هيكلية الشرق الأوسط سيتحقق. لأن هذا الهدف المطروح من زمن الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 وحتى الآن، ورغم التحولات السلبية والخطيرة في بنية النظام العربي على مدار العقود الماضية باءت بالفشل كافة سيناريوهات واشنطن ولندن وبرلين وباريس وروما وتل أبيب، وغيرها من العواصم. لأن العالم العربي لا يقبل ذلك، كما أن المجتمعات العربية كافة تعيش مخاضًا شديدًا نتاج السخط والغضب الناجم عن جرائم الحرب والابادة الجماعية على الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة، ولن تكون اللحظة الراهنة أفضل من المحطات التاريخية السابقة، وافترض أنها قد تحمل في طياتها تحولات غير منظورة في المستقبل القريب، ولا أقول الوسيط أو البعيد.