أصدرت محكمة الجنايات الدولية يوم الخميس الماضي مذكرة جلب واعتقال لكل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، وذلك بسبب اتهامات للمسؤولين بارتكابهما جرائم حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة.

وبرغم أن القرار تأخر لأكثر من ستة شهور، إلا أن كريم خان المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية شعر بالفخر نتيجة صدور هذا القرار برغم كل الضغوط التي مورست عليه شخصيًا وعلى قضاة المحكمة الجنائية الدولية.

وفي إطار نتائج هذا القرار القضائي الدولي، يترتب على أكثر من 124 دولة من الموقعين على الميثاق المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية اعتقال أي من المطلوبين للعدالة الدولية إذا ما دخلا أراضيها، كما يترتب على القرار التزام أخلاقي حتى للدول التي لم توقع على اتفاق الجنايات الدولية بأن تمنع نتنياهو وغالانت من الدخول إلى أراضيها أو أن تقوم باعتقالهما وتسليمهما للعدالة الدولية.

واللافت للنظر في تداعيات هذا القرار أن العديد من الدول الغربية رحبت بالقرار، وساندت ضرورة تنفيذه مثل هولاندا وبريطانيا وكندا وإسبانيا وإيرلندا وغيرها. أما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية فقد سارعت إلى إدانة القرار واعتباره "عملاً مشينًا".
وهذا يفسر في الواقع موقف الولايات المتحدة الداعم لإسرائيل في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وإصدارها "الفيتو" قبل عدة أيام ضد مشروع قرار مجلس الأمن الدولي المفضي إلى ضرورة وقف إطلاق النار في غزة وتأمين وصول المساعدات إلى القطاع. أما بالنسبة للجانب الإسرائيلي، فالرد لم يفاجئ أحدًا، حيث اعتبر نتنياهو القرار انحيازًا لـ "محور الشر والظلم واللاإنسانية"، وسارع بوصفه كالمعتاد بـ "معاداة السامية" معتبرًا أن القرار جاء من هيئة متحيزة.

وبغض النظر عن الموقف الأميركي والإسرائيلي، فإن صدور مذكرة الجلب سيؤثر بشكل كبير على مستقبل نتنياهو السياسي، حيث سيطارده شبح الاعتقال في أي بلد قد يزوره. وحتى إن خرج من الحكم، فإنه من المحتمل ألا يخرج منها أبدًا خارج إسرائيل، بسبب الضغوط الدولية التي ستتولد لاعتقاله.

- وهذه العملية ستكون لها تداعيات مهمة على الشارع السياسي الإسرائيلي اليميني، ومن أهمها:

1- فسح المجال والفرص لقادة جدد في الليكود الإسرائيلي لم يكونوا متورطين في حرب غزة- للوصول إلى الحكم بدلاً من أشخاص مطلوبين للعدالة الدولية.

2- توسيع دائرة الملاحقة القضائية لقادة في جيش الاحتلال الإسرائيلي مثل رئيس هيئة الأركان هاليفي وغيره من القادة الميدانيين، والذين سيخشون من فتح ملفات الإبادة الجماعية في القطاع التي تحمل بصمات جرائمهم.

3- فتح المجال للدبلوماسية القضائية الدولية لتشكيل محكمة خاصة لجرائم الحرب في قطاع غزة تمامًا كما حدث في حرب البوسنة والهرسك، وفي الحرب العالمية الثانية في محاكمة النازيين، بحيث تتولى هذه المحكمة جمع الشهادات الحية، واعتقال وملاحقة ضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي الذين شاركوا في الإبادة الجماعية في القطاع.

وفي النتيحة، يمكننا القول إن قرار الجنائية الدولية بجلب نتنياهو وغالانت للمحاكمة الدولية لن يمر مرور الكرام، وبالعكس، سيكون له تداعيات مهمة ومؤثرة. إنه بالفعل أول انتصار لدماء الأبرياء الذين ارتقوا شهداء في القطاع، ولن يكون آخر انتصار لهم.