لم تتغير قناعاتنا يومًا بأن المستوطنات اليهودية، أُنشِئَت كقواعد عسكرية للاحتلال لكن على هيئة مدنية، وأن المستوطنين كانوا وما زالوا بمثابة وحدات استطلاع وتخريب متقدمة، متصلة مباشرة، بجيش الاحتلال الإسرائيلي، ويتمتعون بغطاء حماية بما فيها القانونية من حكومة الصهيونية الدينية والسياسية العنصرية على حد سواء، لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية، عبر تكريس الاحتلال بواقع الاستيطان المتنامي والمتوسع تدريجيًا على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، ولمنع أي تواصل جغرافي بين مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ما سيؤدي سلفًا إلى نسف المقومات الطبيعية والموضوعية لقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، لذا لا يمكن النظر لقرار وزير الحرب (يسرائيل كاتس) بمنع اعتقال المستوطنين الإرهابيين المجرمين إلا في هذا السياق، وفي منظور إعادة تشكيل الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، كنتيجة حتمية لحملة الإبادة الدموية على الشعب الفلسطيني، البالغة ذروتها في قطاع غزة، حيث تتكشف بين الحين والآخر مخططات المنظومة لإعادة استيطان مناطق محددة سلفًا في القطاع، للتحكم بمفاصله الاستراتيجية.

ونعتقد أن قرار كاتس سيكون بمثابة ضوء أخضر لمنظمات المستوطنين الذين أخذوا في تطويب أراض في قطاع غزة أنشئت عليها مستوطنات سابقًا قبل إعادة نشر قوات الاحتلال سنة 2005  كمستعمرة نتساريم، على رأس الشارع الفاصل بين شمال قطاع غزة ووسطه وجنوبه، ومستعمرة كفار داروم على طريق صلاح الدين من ناحية دير البلح، ومستعمرة غوش قطيف، الفاصلة بين وسط وشمال غزة، مع خان يونس ورفح جنوب القطاع، فيما تبقى الحدود الفلسطينية المصرية فيما يسمى محور فيلادلفيا، تحت الاحتلال والوجود العسكري المباشر.

ونذكر هنا فعالية لمستوطنين في الثاني والعشرين من أكتوبر الماضي، على رأسهم نواب من الكنيست ينتمون لحزب (الليكود) والصهيونية الدينية، وآخرون من تيارات يمينية متشددة، في مؤتمر حول إعادة إنشاء مستوطنات في قطاع غزة. حيث كشف وزير ما يسمى الأمن القومي (بن غفير) خطة الصهيونية الدينية المبيتة، التي يشترط تهيئة الظروف المناسبة على الأرض لتنفيذها، ما يعني أن حكومة نتنياهو ترعى هذا التوجه الذي أصبح خطابًا سياسيًا على ألسنة وزراء ونواب أعضاء في أحزاب ائتلافه الحاكم فقد قال بن غفير يومها تحت يافطة تحضير العودة وغزة لنا إلى الأبد بما لا يدع مجالاً للشك: "أرض إسرائيل لنا جميعًا.. وإذا أردنا، بإمكاننا الاستقرار مجددًا في غزة".

والإرادة هنا كما نفهمها تعني استكمال الشروط والظروف المناسبة، لإعادة  الاحتلال الاستعماري (الاستيطاني) للقطاع، وهكذا تنكشف أبعاد وأهداف التدمير المتدرج لبلدات وقرى ومخيمات فلسطينية في شمال قطاع غزة، وحول الأماكن الاستراتيجية التي ذكرناها، وأبعاد قرار وزير الحرب في دولة الاحتلال يسرائيل كاتس بإلغاء قرار اعتقال المستوطنين الإرهابيين في الضفة الغربية المحتلة.

أما الأخبار بتحويل  قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي العاملة في جنوب لبنان إلى الضفة وغزة بعد إبرام اتفاق هدنة مع لبنان، فلا تفسير له سوى: انتقال حملة الإبادة إلى درجة  أعلى في الضفة الغربية، وتأمين الحماية العسكرية لمشاريع الاستيطان الجاهزة، وضرب فتوى محكمة العدل الدولية ومواقف الاتحاد الأوروبي، والعقوبات بحق المستوطنين الصادرة عن واشنطن ودول أوروبية عرض الحائط، وهذا ليس بغريب على حكومة يرأسها مطلوب للجنائية الدولية لمسؤوليته عن ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية منها: الإبادة بالقتل الجمعي للمدنيين الفلسطينيين واتخاذ التجويع سلاحًا، أما الاستعمار الاستيطاني المغطى بالاحتلال فهذه جريمة حرب بمعيار القانون الدولي، لا بد من محاسبة مرتكبيها والمحرضين عليها، والمسؤولين عن تنفيذها. فحكومة الاحتلال بعد قرار كاتس، أعلنت نفسها بصريح العبارة شريكاً بجرائم المستوطنين وإرهابهم، لتأمينها الحماية للمجرمين المستوطنين قتلة المواطنين الفلسطينيين، وسراق أرزاقهم وحلالهم، حتى أن كل واحد منهم يرى نفسه كنيرون روما يشعل بيوت الفلسطينيين ليتلذذ بلهب الحرائق.