في الحالة الوطنية الفلسطينية هناك واقع ملتبس بين إذا ما كنا حركة تحرر وطني، أم سلطة وحكم ومؤسسات دولة، في الإطار العام، ومع وجود الاحتلال الإسرائيلي، والإصرار على الاستيطان والتوسع، وسياسات التهديد والضم، تصبح المقاومة مبررة، وأن نتصرف كحركة تحرر هو أمر طبيعي وواقعي، ولكن هناك حاجة أن نجلس معًا ونقرر أي الخيارات نريد. ولكل قرار ثمنه ومخاطره من الناحية الرسمية نحن نتصرف كدولة، ونقول للعالم إننا دولة تحت الاحتلال، وكل ما نطلبه من دعم أن يعترف العالم بالدولة الفلسطينية، وأن تصبح عضوًا كامل العضوية في الأمم المتحدة، وحينها نقول، ويقول المجتمع الدولي معنا، للاحتلال إرحل وننجز الاستقلال.

وهناك من يقول إن علينا أن ننهي وهم اتفاقيات أوسلو، وما ترتب عنه، أن نقوم بشطب كل هذا التاريخ والعودة لمنطق الثورة والكفاح المسلح، وأن المقاومة بشكلها العنيف وحده الذي يمكن أن يحقق لنا أهدافنا. حماس ومعها بعض الفصائل تصرفت على هذا النحو، ولكن كانت النتيجة أننا وصلنا إلى نكبة ثانية أشد قسوة، من الناحية السياسية والمادية والإنسانية من نكبة عام 1948.

من هنا علينا أن نطرح، ونناقش ونجيب على الأسئلة بطريقة موضوعية، بعيدًا عن الاستعراض والتنافس، وبعيدًا عن دمج القضية الفلسطينية بأجندات أخرى ومن ثم نقرر المسار المناسب.

قد يكون السؤال الأهم: لماذا نجحت حركات التحرر في تحقيق أهدافها ونحن  ما زلنا على الطريق؟ وهل بالضرورة أن نقارن أنفسنا وقضيتنا وصراعنا بالآخرين أم نحن حالة خاصة فريدة من نوعها؟. سؤال آخر: هل ميزان القوى العسكري والسياسي والاقتصادي يسمح لنا أن نواجه عدونا بالقوة المسلحة أم التجربة أثبتت أن علينا أن نبحث عن وسائل أخرى؟.

ثم: لماذا لم نستطع طوال عقود النضال من تحقيق وحدة وطنية صلبة قوية، أم يجب أن نبحث عن صيغ أخرى لتحقيق اتفاق وتفاهم وطني على أرضية التعددية السياسية، وكيف نحقق ذلك وعبر أي   آليات لمؤسسة تضم الجميع؟.

ومن نواحٍ أخرى يجب أن نطرح أسئلة عن طبيعة الفصائل الموجودة وإذا ما كانت وطنية أم أنها جزء من أجندات أخرى؟.

هناك أسئلة كثيرة أخرى، ولكن ما يتم تغييبه عن عمد أحيانًا أننا نخوض صراعًا مختلفًا بعناصر  وجوهر مختلف عن أي صراع آخر، نحن نواجه مشروعًا استعماريًا مركبًا، هناك طرفا صراع كل منهما له قراءة مختلفة لتاريخ الإقليم الذي حمل اسم فلسطين لآلاف السنين. هناك صراع حول التاريخ والجغرافيا، وهناك رواية دينية وأخرى تاريخية، وفي كثير من الجوانب يختلط التاريخ بالدين ويصبح الوضع أكثر تعقيدًا.

بالإمكان أن نكتفي بالقول أن للصهيونية العالمية روايتها الزائفة، وهي كذلك، ولكن هناك ثقافة ترسخت عبر قرون طويلة في أوروبا، ومن ثم انتقلت إلى أميركا بعد اكتشافها تتبنى الرواية التوراتية.

من زاوية أخرى، بالإمكان أن نمر بسهولة على الاستنتاج بأن المشروع الصهيوني هو مشروع استعماري اندمج بشكل عضوي مع المشروع الاستعماري الأكبر للدول الاستعمارية، وهو بالمناسبة استنتاج صحيح، ولكن ألا ندقق بحجم وقوة هذا الاندماج، وما يمتلكه من قوة تفوق بما لا يقارن قوتنا، فهنا سنواصل دفع التضحيات ونصاب بالنكبات، ونسهم بحيث لا ندري بما يساعد المشروع الصهيوني على النمو والتمدد والتوسع.

طوال الوقت كان ثمة من يواصل العمل على طريقة دون كيشوت ولا يحاول أن يتوقف قليلاً ليسأل ما إذا كان هناك طريق آخر قد يحمي وجودنا في الجغرافيا والتاريخ والواقع؟.

لنسأل أنفسنا: لماذا قررت منظمة التحرير الفلسطينية وبعد عقود من تجربة الكفاح المسلح أن تلجأ لخيار السلام؟ هذا الخيار لم يأتِ بالصدفة، أو ردة فعل لحدث بعينه، وإنما عبر التجربة الطويلة، فقد تم الأخذ بالاعتبار موازين القوى، وموقف المجتمع الدولي، وضعف الموقف العربي، وهيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي، وقوة ونفوذ الصهيونية العالمية، وما تملكه من إمكانيات لا تنضب.

لقد خاضت منظمة التحرير معارك مع بعض الأشقاء، بغض النظر إن كانت مصيبة أم مخطئة، لكنها كانت معارك لتأكيد الوطنية الفلسطينية التي شطبت عام 1948.

ثم حلفاؤنا الدوليون هم من كانوا يقدمون لنا النصح بأن نوافق على القرار 242، ويقولون أن فكرة القضاء على إسرائيل غير واقعية، وأن عليكم البحث عن حلول وسط معها، ثم جاء القرار بخيار السلام بعد أن خرجت مصر من دائرة الصراع لدائرة السلام .

- السؤال: هل تغير هذا الواقع أم ازداد تعمقًا؟

وبعد، هل تصلح حماس المرتبطة عضويًا بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين أن تقود أو تقرر بالنيابة عن الشعب الفلسطيني، والتي تمثل القضية الفلسطينية ورقة تكتيكية للجماعة لتحقيق أهدافها؟ وإذا اتفقنا أن منظمة التحرير، وكما هو معترف به دوليًا وعربيًا بأنها هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، كيف سنحولها إلى مؤسسة أكثر ديمقراطية تعبر عن كل أطياف الشعب الفلسطيني ومصالحه، خصوصًا أن واقع الفلسطينيين الموزعين في جغرافيا سياسية معقدة تجمعهم نفس المصالح؟ إذا كان خيارنا أننا دولة تحت الاحتلال، فالدولة هي المسؤولة عن إدارة الصراع بالشكل الذي تراه يتوافق مع قدرات الشعب الفلسطيني ومصالحه هو وليست أي مصالح أخرى، وإن يكون في هذه الدولة قانون واحد وسلاح واحد، وكما هو ليس مسموحًا للفرد أو جماعة أخذ القانون باليد، فإنه من غير المسموح أن يقرر فصيل منفردًا قرار المواجهة والحرب. وفي عهد الرئيس الأميركي ترامب من الضرورة أن نكون جاهزين موحدين تتحدث بالنيابة عنا القيادة الفلسطينية الشرعية.