لاشك بأن منطقة الشرق الاوسط بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص، شكلت ومنذ فجر التاريخ الحديث محط انظار كل الدول الاستعمارية، نظراً لاهميتها الاستراتيجية على مختلف الصعد ، فمن الناحية الجغرافية فهي بقعة تقع ما بين المحيط الهادي شرقا" والمحيط الاطلسي  غرباً اي بمعنى شكلت هذه المنطقة رابطاً استراتيجياً وممرا" اجبارياً ، اضافة الى كونه سوقاً ضخماً استهلاكياً لما تنتجه الدول، زاد من اهميتها غناها بالمواد الاولية الخام التي تحتاجها تلك الدول والتي تفتقر اليها في الاساس الدول الصناعية ، ولعل على رأس هذه المواد يأتي البترول كمادة اساسية وضرورية لهذه الصناعات، ناهيك عن امكانياتها الزراعية المتنوعة بسبب تنوع فصولها المناخية وهو مايتيح لها انتاج سلسلة وتشكيلة واسعة من الزراعات التي يحتاجها العالم في غذائه واستمرار رفاهية شعوبه واستمرار عجلته الاقتصادية.
  وعلى هذا الاساس سعت الدول الاستعمارية الى وضع اليد على هذه المنطقة الحيوية بكل المقاييس تمهيداً لوضع يدها على خيراتها ولاجل هذا السعي نوعت هذه الدول من اساليب سيطرتها بدءاً من الاحتلال العسكري المباشر مروراً بالسيطرة السياسية من خلال اقامة انظمة ودول تدين لها بالولاء، وهذا الامر لم يكن لينجح الا من خلال، تقسيمات جغرافية مستقطعة من جسد الخارطة طبقاً لتلك المصالح وبالتالي تقاسم النفوذ والسيطرة، وهذا الامر كان لابد من تقسيم المنطقة وخصوصا العالم العربي الى دول وكانتونات كبيرة بعدما  كانت حتى قبل الدول الاستعمارية نفسها تنعم بكثير من الاستقرار والوحدة التكاملية منذ مئات السنين بدءاً من الدولة الواحدة والنظام الواحد والحكم الواحد وهو ما كان يعرف بدولة الخلافة التي تحولت فيما بعد الى نظام الامبراطوريات والتي بنفسها تطورت الى دول اقليمية تتكاثر فيها الانظمة السياسية ويتزايد فيها الحكام، الا ان كثيراً من الروابط بقيت حية لدى شعوبها وهي روابط تمحورت حول العرق والدين واللغة والقضايا المشتركة الناتجة عن التاريخ الواحد وبالتالي المصير الواحد بسبب تقارب الهموم والمشاكل، الا ان هذه الحالة، لم يسمح لها ان تسير طبقا" لمنحاها التاريخي الذي كان من المفترض ان يكون باتجاه اعادة وحدتها الجغرافية والسياسية بشكل جديد ومتطور، القائم على الضرورة الاستراتيجية المحتمة، وهذا ما وعته الدول الاستعمارية وعملت على منعه في وقت مبكر.
فعلى صعيد الجغرافيا قسمت المنطقة الى قسمين يمنع تلاقيهما من خلال زرع كيان يشكل في النهاية قاعدة متقدمة لصالح  الدول الاستعمارية فكانت (اسرائيل) هي القاعدة والخنجر الذي شطر الامة العربية الى قسمين، وهذا الامر ترافق مع منع هذه الدول الاقليمية من اجتياز مرحلة التحرر الوطني، الذي كان في حال حصوله من تمكين هذه الدول من اعادة بناء نفسها بطريقة عصرية ومنعها من تكرار الامثلة في العالم.
الا ان ما حصل في هذه البقعة كان اخطر واقسى واكثر دموية فبعد النجاح في تقسيمها على اسس اقليمية وقطرية مترافقة مع تعدد انظمتها السياسية والتي كانت للأسف  متناحرة فيما بينها في اغلب الاحيان. لكن الاخطر في هذه الايام يتوضح بطبيعة المؤامرة واللعبة الدولية التي تسعى اليها الدول الاستعمارية ونواياها في اعادة رسم خارطة هذه المنطقة الحيوية والهامة على اساس طائفي ومذهبي وعرقي  في النهاية يسهل في حال النجاح اقامة  (دولة اسرائيل اليهودية ) وهو هدف ليس جديداً بل يمتد الى اللحظة الاولى لاقامة هذا الكيان .
وهذه الحقيقة توضحت اكثر فاكثر تزامناً مع الاحتلال  الاميركي للعراق باعتباره يكتسب اهمية حيوية يجعل منه مدخلاً وممراً لسقوط كل المنطقة وتهاويها كأحجار  الدومينو التي يُسقِط  كل حجر فيها الحجر الذي يليه، وهذا الامر افصحت عنه الدراسات التي كُشِف النقاب عنها والتي اعلنها معظم القادة الاستعماريين وهي على كل حال اصبحت معروفة وواضحة المعالم والمخططات ولعل اكثرها حداثة ما جاء على لسان معظم المرشحين للرئاسة الاميركية التي اجمعت على ان الاحتلال الاميركي للعراق لم يكن بسبب امتلاكه اسلحة دمار شامل يهدد السلم والامن الدوليين ولا بسبب خروقات النظام هناك لحقوق الانسان كما  تم الادعاء زوراً وبهتاناً، بل على العكس كان وراء هذا الاحتلال يهدف  لازالة  البوابة الشرقية الحامية للوطن العربي والتي لولاها لما امكن نجاح مخطط التقسيم الذي يتم العمل عليه  وبالتالي تقسيمه على اسس طائفية ومذهبية وعرقية ليعمم بعد ذلك وعلى شاكلته على كل المنطقة. ولهذا تبدو خارطة العالم العربي والشرق الاوسط مسرحاً للعديد من الحروب التي تختصر كل الحروب الكونية والتي يبدو معها العالم كله مشتركاً فيها كل حسب مصالحه (الحيوية) والتي تبدو وكأنها الحرب العالمية الثالثة الجامع الوحيد بينها انها تخاض على هذه البقعة والمساحة بالذات . وهذا يعني ايضاً ان الحروب الدائرة رحاها حالياً هي تختصر كل الحروب والا بماذا يمكن تفسير التحشدات العسكرية وتزاحمها وتواجد كل اسلحة العالم وتركزها امام وعلى ابواب ما يطلق عليه مناطق ملتهبة وهي شاطئ البحر الابيض المتوسط الشرقي ومنطقة القرن الافريقي الذي يسيطر على معبر وممر من اهم الممرات الحيوية والاستراتيجية وهو باب المندب الذي لايقل اهمية عن ممر قناة السويس الاستراتيجية، وايضاً ممر الخليج العربي وهي معابر ليس مصادفة انها تضم فيما بينها الثروة العالمية التي تسعى وراءها الدول الاستعمارية والسيطرة عليها خدمة لمصالح لن تكون في النهاية لتصب في تطور شعوب منطقتها