معركة الرئاسة الأميركية بدأت، ومعها بدأ التنافس بين مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي على أي منها يمنح الحق الشرعي والأخلاقي لدولة الإحتلال بقتل الفلسطينيين اكثر، وبالتالي يعرض جهوزية المظلة السياسية لحماية هذا الحق وتسويقه فوق منصات وقاعات الأمم، بصرف النظر عن المكان والمناسبة.
واقع القضية الفلسطينية مع الإحتلال بات العقدة التي لا حلَّ لها، بحيث أكل الإستيطان ما كان يُعتقد أنه المساحة الجغرافية التي اقتنع الفلسطينيون- رغم أنها أقل القليل لدولة تأجل مخاض قيامها أو بات مستحيلا، وفق المنظور السياسي لموازين القوى في المنطقة والعالم- اقتنعوا بأنها الحد القصى الممكن أمام عدوّ لا قليل ولا كثير يقبل به من الأرض. وجل ما يُنظّر به بعض "الكرماء" من "المعتدلين" الصهاينة حكم ذاتي لجزء من بقايا أرض لم تستولِ عليها عصابات الإستيطان المشرعنة وفق فتاوى نتنياهو وطاقم حكومته المتطرف.
لا يكفي موت السلام في أرض السلام، ولا يكفي نهب الأرض ومحاولة قتل إرادة اهلها الذين كتب عليهم دفع ضريبة البقاء أغلى كثيرا من أية فاتورة دفعتها شعوب العالم المعاصرة.
لم يعد قتل الفلسطينيين يستوجب مداراة أو وضع ستائر لإخفاء معالم الجرائم اليومية التي بدأت تزداد، بل أصبح القتل محاكاة لداعش والجماعات الإرهابية التي تشبهه، وبالتالي أصبحت حياة الإنسان الفلسطيني رهينة مزاج أي جندي أو مستوطن في أن يقتله أو "يعفو" عنه، دونما رادع أو وازع أو خوف من حساب، بل عكس ذلك، حيث الإدانة جاهزة وبأبسط التهم والمبررات التي دفع ثمنها الكثير من الفتية والإطفال، ناهيك عن الشابات والشباب من أبناء هذا الشعب العظيم- والأغرب أن الكثير من تلك العمليات ينقلها المستوطنون بواسطة شاشات أجهزتهم الخلوية بكل مفاخرة وتبجح.
ورغم افتتاح محفل الإجرام الصهيوني الفالت من أية ضوابط او قيود إنسانية أصبحنا عالقين بين مطرقتي الاوكارديون الإقليمي العابث والنتن في آن واحد. ضجيج ونفخ في بوق الدم الفلسطيني المسفوك يكاد يصدّع الآذان ويصيب بالصمم من صمدت حاسة السمع لديه. كأن أولئك النافخين لا يجيدون البهجة دون نزف الفلسطيني وموته في المستقطع من زمن الضمير العربي والإسلامي والدولي الضائع.
كلهم منشغلون بما يُبعد ويُنسي كلمة فلسطين من ذاكرة شعوب المنطقة، ورغم ذلك لا يكفّون "يتشاطرون ويتمعلمون" على القيادة الفلسطينية وشعبها. كلهم يُسقطون رؤاهم وأحلام يقظتهم على أولئك المتلبسين بالفجيعة حتى آذاهم، والمطعنونين في أمسهم ويومهم وغدهم... حتى الموت قهرًا وصمودًا وإيمانًا.
فلسطين لم تكن ولن تكون مذهبًا أو طائفة. بريئة فلسطين من لوث التطرف والمغالاة والظلامية الذي يكاد يقضي على التاريخ والجغرافيا والإنسانية في المنطقة. ورغم معرفتهم بتاريخ عقلها وذاكرتها ومسيرتها الموغلة في الصدق والشفافية، يتركونها فريسة للصهاينة القتلة أو يطالبونها بالكف عن الكفاح في مرحلة مخاض المنطقة العسير، يطالب البعض الفلسطينيين بأن يكونوا جزءًا من معسكر التقاتل والتنابذ الضاريين ويبتزونهم لأجل تأكيد انحيازهم لهذه الفئة أو تلك.
ورغم الواقع السوداوي للقضية وشعبها، يكثر الكلام هذه الأيام عن إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، بحيث تضمُّ إلى الأفرقاء المعتمدين إسرائيل، وبصفة  حليف إستراتيجي ومحوري يُعتمد عليه في خلال عملية إعادة انتشار الخارطة الجغرافية- السكانية للمنطقة ومشهدها المستقبلي القائم على عداء مستحكم لا حل له ولا مخرج ممكناً له.
ألغريب مثلا أن دولة كتركيا تكاد تدحرج كرة النار إلى ما يشبه الحرب العالمية بافتعالها حربًا مع الأكراد كانت قد توقفت منذ أكثر من عقد ونيف. فيما مسألة اشتعال حرب مع روسيا متوقفة على أي خلل تقني أو متعمد قد يحصل على حدودها في أية لحظة. فتركيا التي تعطي نفسها حق الدفاع عن الأقلية التركمانية في سوريا وتدفع بكل قوتها لتكريس منطقة عازلة فوق الجزء الشمالي من سوريا والملاصق لحدودها، تحاكي أفعالها أفعال أية دولة "مارقة- إسرائيل" أو جماعة "من طراز داعش والنصرة" ضد الأقلية الكردية التي فاق عددها العشرين مليونًا، بحيث تصبح مقارنة الأكراد بالتركمان أضحوكة لكل من تعنيه مسألة العدالة وحقوق الإنسان. وفيما العلاقة التركية- الإسرائيلية لم تعد بعد إلى طبيعتها نتيجة الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة قرب الحدود مع قطاع غزة والتي قتل فيها تسعة متضامنين اتراك. تحاول تركيا الآن وبكل حماسة وقوة تسوية علاقاتها "الإستراتيجية" مع إسرائيل بسبب العزلة الدولية التي تعاني منها، وخاصة ما أصابها من حنق على الموقف الإميركي الذي ساوى بين السلوك التركي والكردي في مسألة الصراع الداخلي التركي أو ذلك الذي يجري على الحدود مع جارتي تركيا- سوريا والعراق. لا نعلم لماذا ولا كيف تستميت تركيا من أجل إعادة علاقتها الإستراتيجية مع إسرائيل- غير المتعجلة لإعادة العلاقات- وبذات الوقت تستضيف بعض قيادة حماس وتهتم كثيرًا لأمر قطاع غزة المحاصر.
لا نرى في دوّامة الصراع الدائر الآن حقًا أو شرعية لما يجري. ولا نرى أخلاقًا أو دِينًا أو مبرّرًا لما يجري... ما نراه الآن عمى شاملا يصب دلاءه في نهر الدم العظيم... كأن فيروسًا أصاب الحكمة والنزاهة والرحمة في نفوس المبشّرين والراعين لمذبحة الإنسانية في منطقتنا... كم من الحقارة والدناءة يختزن الحقد من  الظلامية المتراكمة في خزائنهم وفوق رفوف مطابخهم وغرف نومهم؟ ألهذا الحد يُرتهنُ الحكّام وأصحاب النفوذ وسادة القرار في بلادنا؟
بعض البصيرةِ تكفي لفضح الأميركي ومشاريعه العابثة بيننا وفينا. بعض الفطنة تكفي لكي يعرفوا أن بين الإدارة الأميركية وإسرائيل شراكة مؤبدة لا يمكن أن تنفضَّ أو تنتهي.
كلهم يعرفون أن تمزيق المنطقة وتهجير أهلها جائزة تقدم إلى إسرائيل على طبق من ذهب. هل يستهدف المشروع الصهيوني طائفة ويستثني أخرى؟ هل يستهدف هذا المشروع دولة ويستثني أخرى؟ فالحديث الذي تروّجه إسرائيل عن اعتدال سني وتطرّف شيعي يشكل منتهى الإستخفاف بالعقل العربي، كونه يفترض أن فينا من السذاجة والجهالة ما يمرّر تلك المقولة بمنتهى البساطة وكونه يخفي حقيقة أن البلد العربي المحتل هو فلسطين، وأن الجرائم الصهيونية الممتدة منذ أكثر من قرن من الزمن استهدفت ولم تزل هذا الشعب الذي ينتمي بأكثريته الساحقة إلى المذهب السني.
لا ننفي وجود طغيان عصبي طائفي في منطقتنا الآن، وبواسطة اعتلال عصبي- مذهبي  وطائفي عالي الإيقاع تحصل المذابح  التي لا سابق لها في تاريخنا الحديث جراء آلة إعلامية ترافقها إمكانات مادية داعمة لهذا الطرف أو ذاك.
ولا ننفي وجود عداء تاريخي عربي- فارسي منذ ما قبل الإسلام وحتى يومنا هذا. إلا أن الحقيقة المرّة التي نواجهها الآن هي حقيقة إسقاط الخطاب الديني واستثماره في معمعة الصراع الدائر حاليا بحيث لا يمكن محو آثاره العميقة والخطيرة على مدى أجيال من الآن وربما أبعد. وهذا الخطر الذي استحضره الجميع دون استثناء أنتج وسوف ينتج أيضًا المزيد من المبرّرات والأسباب التي يسوّقها البعض حول تحالف مع إسرائيل- كتناغم مع الخطاب الإسرائيلي الذي يشيطن إيران القوية ويحشد حولها الأعداء، ليس استهدافًا لإيران فقط، بل طمسًا لحقيقة الصراع وبالتالي استبعاد قضية فلسطين عن الهمّين العربي والإسلامي.
وهنا أيضًا تتوضح سياسة إسرائيل الراغبة والمندفعة باتجاه البدء بسياسة علنية اللقاءات التي تحصل بين أركان حكومتها والعديد من الشخصيات الرسمية العربية، لكي تكرّس مسألة التطبيع معها في ظل مزاج إسلامي- إسلامي- عربي غير مبال لمسألة حقيقة الصراع وبالتالي مختصرًا اهتمامه بدوره في الصراع الداخلي المستعر.
المحزن فيما سبق هو سعي الحكومة الإسرائيلية للتطبيع مع هذه الدولة العربية أو تلك مع سياسة إجرام لم تعهدها الساحة الفلسطينية من قبل، حيث الإعدامات المباشرة لأبناء الشعب الفلسطيني وبطريقة لا تشوبها شائبة من الوضوح وتأكيد فعل الجرائم.
ورغم كل ما سبق، لم ترتقِ لقاءات العاصمة القطرية بين فتح وحماس إلى مستوى التبشير بعهد جديد من العلاقة الفلسطينية- الفلسطينية إلى مستوى استشراف المخاطر التي تواجهها القضية ولا إلى مستوى حشد الطاقات لمواجهة المسار الدموي الذي تتخذه سياسة الإحتلال ضد فتيات وفتية فلسطين. كل ما يحصل الآن فوق الأرض الفلسطينية لم يشكل عامل مراجعة مع الذات داخل حماس، كونها لم تزل في مربع مشاغلة الرأي العام الفلسطيني بكيل الإتهامات والإصرار على التحريض الذي لا فائدة منه ضد السلطة الوطنية الفلسطينية وفتح تاليًا.
لا يوجد أبرياء في نظر المحتل الصهيوني، كل أبناء فلسطين هم أهداف شرعيون بنظر سلطات الإحتلال وقواته الأمنية... هدف العدو تيئيس هذا الشعب وبالتالي الإستسلام، فما الذي يفشّل سياسة العدو؟ بالطبع الوحدة أولا ثم ثانيًا وثالثا.