انتهت جولة الصراخ التي نظمتها حركتا حماس والجهاد مع بعض الاصوات من الفصائل خاصة تلك التي تم اختراعها في زمن الانقسام الاسود, انتهت جولة الصراخ بتصديق الوهم الذي يقول ان ذلك الصراخ هو السبب وراء تأجيل انعقاد المجلس الوطني! حيث السبب الحقيقي وراء التأجيل هو لمزيد من قراءة المتغيرات التي تجرى في المنطقة, وفي العالم لنعرف اين نحن بالضبط واين نضع اقدامنا في المرحلة المقبلة.
وبالفعل هناك اشارات قوية على امكانية تغيير جوهري في اتجاه الاحداث, ويجب ان نكون متيقظين وضابطين للاعصاب ومركزين على القدرة على الرؤية الصحيحة رغم ان السلوك الاسرائيلي على المستوى السياسي وعلى مستوى الممارسة والتحرش اليومي خاصة في القدس وفي محيط المسجد الاقصى مثير اكبر قدر من الاستنفار الذي قد يصعب ضبطه في المسار الصحيح، ولكن, وبما اننا نريد الدولة الفلسطينية المستقلة في نهاية المطاف والقدس الشرقية عاصمة لها وان العالم لم يتخل عن هذه الفكرة رغم احباطاتها المتعددة, فانه بمستوى الهدف يجب ان يكون الوعي والسلوك في آن واحد.
ليس هناك من جديد في المشهد على الصعيد الاسرائيلي, حيث الاحتلال هو عدونا الرئيس والمركزي, وهذا الاحتلال وانطلاقا من الاختلال في موازين القوى بسبب احداث المنطقة وبسبب عدم الاتفاق حتى الآن في قيادة النظام الدولي, فإن اسرائيل تحت قيادة نتنياهو وحكومته الرابعة، لها قراءة خاصة بها للاحداث، وترى انها يمكن ان تنجز تحت سقف هذه الاحداث اهدافها القديمة, والتنصل من اعباء والتزامات حل الدولتين, وصياغة المعادلة كما لو أنها اللاعب الوحيد, بمسمى دولة مؤقته في غزة وتقاسم وظيفي في الضفة, وسيطرة كاملة في القدس.
ولكن المراجعات الجديدة في مواقف القوى الدولية والاقليمية خاصة في سوريا, وتقدم المشهد في اليمن, ونجاح الحوار الى حد ما في ليبيا, وخط الاصلاحات الجديدة في العراق, واستقرار الوضع المصري بدرجة كبيرة، والانجازات المتراكمة في المشهد الفلسطيني, كل ذلك يجعل السلوك الاسرائيلي خارجا عن الاجماع الدولي ومكلفا جدا لأصحابه الاسرائيليين وخصومهم الفلسطينيين.
المشكلة هنا: ان الفصائل الفلسطينية في معظمها يشعر بالعجز, وبدلا من ان تبحث عن طريق لمغادرة العجز, فإنها تستعيض بالصراخ في وجه المرجعية الشرعية الفلسطينية, وان هذه الفصائل تختلق الاحداث والادعاءات لتجدد الصراخ بين وقت وآخر, مقنعة نفسها بأن هذا الصراخ هو نضال من الطراز الاول! وبعد ان انتهت جوقة المجلس الوطني, تجيء الآن جوقة جديدة حول الاجراءات التي تتخذها الشقيقة مصر على الحدود في قطاع غزة, واجراءات امنية صرفة, لا تضر مطلقا بمصالح الشعب الفلسطيني بل لها فائدة واضحة في الحد من امكانية تسرب جماعات الارهاب الى قطاع غزة, وتأكيد الرئيس المصري ان التنسيق مع القيادة الفلسطينية مستمر حتى لا يلحق اذى بالمصالح الفلسطينية.
وهكذا بدأ الصراخ من جديد من الذين لا يعرفون ماذا يقولون, عن الاضرار الناجمة عن اتلاف الاتفاق بواسطة ضخ المياه المالحة, وتعالت الأصوات الغيبية دون ادنى اعتبار للحقائق العلمية, وكأن المعركة هنا وليس هناك، خاصة بعد ان انتهت مفاوضات سرية مع اسرائيل أجرتها حماس بقرار اميركي بوضع قيادات كتائب القسام على قائمة الارهاب.
لماذا لا تتوقفون عن الصراخ؟ وهل هذا ما تبقى لكم؟ ولماذا لا تتحاورون مع المرجعية الشرعية الفلسطينية بشكل جدي, ولماذا لا تعترفون بفداحة النتائج التي وصلتم اليها؟ مازلنا ننتظر شجاعة الرؤية وليس جوقات الصراخ.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها