لن تجد عبر التاريخ قومًا ذكرتهم الكتب السماوية وكتب التاريخ أكثر جدلاً في الحياة الدنيا من بني إسرائيل، من منا لا يعرف قصة البقرة التي أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى أن يأمر قومه بني إسرائيل أن تذبح ليضرب في بعضها جثة قتيل، فيحيا بإذن الله تعالى ليشهد على القاتل. وكيف دارت قصة جدلية بين النبي موسى عليه السلام وبني إسرائيل ليفاوضوا الله على البقرة ولونها وشكلها ونوعها، وكان الأمر في بدايته ذبح بقرة وأي بقرة إلا أن بني إسرائيل أبوا إلا الدخول في جدل طويل وتلك هي طبيعتهم. وعلى مر السنين والأيام كان هناك تاريخ من المفاوضات بين بني إسرائيل وكثير من الدول والشعوب التي عاشوا فيها، وكان مصيرهم الطرد، والقتل والهوان على أيدي كثيرين من دول العالم إلا في كنف الدولة العربية الإسلامية في الأندلس، والدولة العثمانية، فقد أنصفهم العرب والمسلمون وعاشوا في أمان واطمئنان. في المفاوضات الأخيرة منذ السابع من أكتوبر على الهدنة في فلسطين ولبنان رأينا العجب العجاب، هم يطرحون المبادرات من أجل الهدنة، الوسطاء يحملون أفكارهم لأنهم أصلاً منحازون لدولة الاحتلال، ويضعون الشروط هم وعند الموافقة عليها يعودون لتعديلها، تلك السياسة تخفي وراءها أهداف بعيدة المدى من الهيمنة والاستعلاء والخراب والدمار، شيء سيذكره التاريخ ولن ينساه.
اتفاق الهدنة الأخير والذي هو في الأصل سلمه نتنياهو إلى الرئيس بايدن وتعطل الاتفاق عليه، بسبب مماطلة الإسرائيليين، عادوا للموافقة عليه بعد ضغط من الرئيس الأميركي الجديد ترامب قبيل تنصيبه رسميًا الساكن الجديد للبيت الأبيض. اليوم تسعى إسرائيل إلى تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، بعد أن انتهت تلك المرحلة دون أن يدخلوا في مفاوضات المرحلة الثانية، الذي يسمح بالإفراج عن أعداد إضافية من المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس دون الدخول في اتفاق جديد يشمل المرحلة الثانية والثالثة لأن المراحل الجديدة تنهي الحرب على غزة، وتجبر الاحتلال على الانسحاب منها دون الانتهاء من تحقيق أهدافه وذلك لسبب رئيس ألا وهو الحفاظ على الائتلاف الحكومي الذي يحرض على استمرار الحرب، ويهدد رئيس الحكومة لحل الائتلاف الحكومي، مما عقد المشهد، وأخذ منحى آخر لا يعكس الانفراج السياسي ووقف العدوان في قطاع غزة، ويتجه باتجاه التصعيد واستئناف العمليات العسكرية في قطاع غزة.
هذا المشهد وغيره من العمل السياسي في المنطقة يوحي أن المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي أمر لا يحقق الأفضل للمنطقة. هذه قضية تكشف عن الجانب الأخلاقي المفقود في عالم السياسة لأن الجانب الإسرائيلي يريد أن يضع شروطه ويفرض هيمنته ويتهرب من الاستحقاقات التي ينص عليها الاتفاق. وهي كما ذكرنا مسيرة طويلة ومعقدة ملموسة منذ اتفاقات أوسلو إلى أن فرضت الحالة التي نعيشها اليوم من نسف هذه الاتفاق برمته، وكأن إسرائيل أصابها الندم من توقيع تلك الاتفاقيات.
من لا يعرف هذه المكونات البيولوجية في هذا الاحتلال، فقط عليه أن ينظر إلى هذه السياسة الإسرائيلية الهوجائية التي لا تعترف بالآخرين، ولا تقيم وزنًا لمصالح الآخرين، وترى في نفسها صاحبة الشأن والهيمنة والنفوذ، هي سياسة تدمير الذات وصنع الكراهية في هذا العالم الصغير.
وإذا فاوضوا الله في بقرة، وهم أصحاب السبت الذين تحايلوا على أمر الله، وهم الذين عبدوا العجل بعد أن أنجاهم الله من فرعون وجنوده. يصعب مع هذا الفكر الاستعلائي أن يجد له مكانًا على هذه الأرض تحت الشمس. هذه المفاوضات هي مفاوضات عبثية، تعكس المبادئ التي تقف عليها دولة الاحتلال مع الشأن الفلسطيني فهي تعمل على إدارة الأزمات ولا تعمل على حلها. وهذه هي الحالة التي يعمل عليها الاحتلال مع الجانب الفلسطيني والعربي، استمرار الصراع القائم ولا حلول من أجل إنهائه الاحتلال، بل هي تعمل على تعزيز الانقسام متكاملاً وإبقاء الشرخ الفلسطيني قائمًا من أجل ديمومة الاحتلال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها