بقلم: رامي سمارة

عجّت الباحة الخارجية لمقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة البيرة يوم الثلاثاء، بالعشرات من أمهات وذوي المعتقلين، كل أتى حاملاً تخوّفه على ابنه أو ابنته بعد نشر تقارير تحذر من أن معتقلات الاحتلال التي يقبعون فيها، وإلى جانب كونها معتقلات؛ أضحت مراكز تعذيب وعقاب وانتقام سلبت حياة معتقل إداري قبل ساعات.

وأعلن مساء أمس، استشهاد المعتقل الإداري عمر حمزة حسن دراغمة (58 عامًا) من طوباس، الذي كان يقبع في معتقل "مجدو" منذ اعتقاله إلى جانب نجله حمزة، في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.

واستشهد دراغمة بعد ساعات من جلسة محكمة كانت قد عقدت له بالأمس عبر تقنية الفيديو "كونفرنس" في محكمة "عوفر" العسكرية، بحضور محاميه أشرف أبو سنينة، الذي أكّد أنه حين سأله عن حالته الصحية، أجاب بأنها جيدة.

وتصف ميسون الشوامرة، والدة أربعة أسرى، وهم: محمد ومنصور ومرشد ومعتصم، الخوف الذي بات يتملّكها على مصير أبنائها بأنه فاق "الحد الطبيعي"، وحرمها من النوم في ظل انقطاع الأخبار عنهم بشكل تام، خاصة ذلك القابع في سجن النقب، والآخر الذي اعتقل قبل أسبوعين وتم تحويله للاعتقال الإداري.

تقول الشوامرة، ليلة العاشر من هذا الشهر اقتحموا المنزل و"قلبوا عاليه واطيه"، وقاموا بتكبيل يديّ معتصم وتغطية عينيه، واقتادوه إلى خارج المنزل الكائن في بلدة الرام، شمال القدس المحتلة، وخلال مغادرتهم قام أحد الجنود بالبصق على صور أشقائه المعتقلين.

ومن بلدة الرام كذلك، حضرت إلى مقر الصليب الأحمر نسرين أبو غربية، والدة المعتقلين مجد، وأحمد، وفادي أبو غربية، أتت حتى توجه رسالة للمؤسسات الحقوقية الدولية وتدعوها للقيام بدورها في معرفة مصير المعتقلين في معتقلات الاحتلال، في ظل الأخبار الشحيحة والمرعبة التي تصل من السجون. 

وقالت أبو غريبة: "يقال إن المعتقلين يتعرضون للضرب والقمع، وباستمرار هم عرضة للهجمات من قبل السجانين، ولا وسيلة اتصال معهم حتى نتابع المستجدات، في حين يمنع المحامون من الوصول إليهم لطمأنة قلوبنا عليهم، نسمع أنهم تعرضوا للضرب وتكسير الأطراف وتشويه الوجوه، وهذا يجعل صمت المؤسسات المعنية بالأسرى، لا سيما الدولية منها، أمراً غير مفهوم".

وأكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس، أن قلق ذوي الأسرى مفهوم ومبرر، خاصة أن الإجراءات التي تشهدها المعتقلات مؤخراً لم تعد تقتصر على تلك التي تحمل طابعاً "أمنياً"، وتطور إلى عمليات اعتداء وحشي قد تؤدي إلى الاستشهاد.

وأضاف: "اطلعنا على تقارير تشير إلى أن مجموعات من السجانين انهالوا بالضرب بالعصي على أسرى، ما ألحق بهم كسوراً وتهشماً في الوجه ونزيفاً بما قد يؤدي إلى الوفاة، وهذا الذي وقع مع الشهيد عمر دراغمة، حسب تقديرنا، لا سيما إنه كان صحيحاً معافى قبل ساعات من الإعلان عن استشهاده".

وكشف فارس، عن أن عدداً من المعتقلين طلبوا عدم التوجه إلى محاكم الاحتلال، وأن تعقد غيابياً أو الكترونياً، لأنهم يعلمون ما ينتظرهم من تعذيب وتنكيل بعد انتهاء الجلسة، ليس قبلها لأن المعتقل لو جاء مهشماً إلى قاعة المحكمة سينفضح الأمر، ولكن بعد الجلسة يتم الاعتداء عليهم.

وتطرق كذلك إلى أمر آخر يدعو للقلق، وهو وجود الأسلحة بيدي جنود الاحتلال في أروقة المعتقلات ومحاولاتهم الحثيثة لاستدراج الأسرى نحو ردة فعل بغرض إيجاد مبرر لإطلاق النار عليهم.

وأشار قدورة فارس إلى أن المحامين منعوا من زيارة السجون، وكذلك فرق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في قرار طال كل المؤسسات والمنظمات الحقوقية التي تعمل وفقاً لترخيص إسرائيلي ومسجلة في لوائحهم، وهذا يدفع للتساؤل عن دوافع حرص دولة الاحتلال على أن ينقطع الأسرى عن بيئتهم ومجتمعهم وعن العالم، فوراء الأكمة ما وراءها، وهناك نوايا خبيثة ومبيّته سيجري تنفيذها، وتوقع أن ينتقم الاحتلال في المعتقلات إذا فشل في الوصول لأهدافه من العدوان الذي يشنه على قطاع غزة.

وحول ما نشرته إذاعة جيش الاحتلال بشأن صوتت عليه حكومة تل أبيب يوم الثلاثاء، على لوائح تتيح منع لقاء المعتقلين الفلسطينيين بمحاميهم، "لأسباب عملياتية"، قال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس: إن هذه القرارات مطبقة على أرض الواقع، لكن يبدو أن الحكومة تريد أن تقول للمجتمع الإسرائيلي إن بجعبتها الكثير وتريد توسيع لائحة الإجراءات التي تتخذها، في إطار سعيها لتكوين انطباعات على أنها غير مفلسة.

وذكر فارس أن دولة الاحتلال بكل مؤسساتها العسكرية والسياسية، تتصرف من واقع الخيبة والإحساس بالفشل، ولذلك تتخذ القرارات هنا وهناك في إطار أكبر وأوسع عملية انتقام تشنها ضد الشعب الفلسطيني، وبما يقربها من صورتها الحقيقية ككيان يعتمد الإرهاب منهجًا.

وقالت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير أماني سراحنة: إن الأسرى يواجهون منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر إجراءات غير مسبوقة، مسّت كل جوانب الحياة الاعتقالية ووصلت إلى حد المقومات الأساسية، من ماء وكهرباء وملبس ومأكل.

وأشارت إلى تفاصيل صعبة تتعلق بمصير الأسرى، من عمليات تنكيل وضرب واعتداءات داخل السجون التي تحولت إلى معاقل عزل جماعي مضاعف.

وذكرت أن قضية استشهاد المعتقل الإداري عمر دراغمة يوم أمس تحمل مؤشرات غاية في الخطورة، ليس لكونه أول شهداء الحركة الأسيرة، إذ سبقه 237 معتقلاً استشهدوا في سجون الاحتلال منذ العام 1967، ولكن في هذه المرحلة فإن أي أسير يرتقي داخل المعتقلات سيكون بموجب قرار اغتيال، وليس بسبب إهمال طبي أو عزل انفرادي أو تعذيب.

ونشرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في تقرير صدر يوم الثلاثاء، تفاصيل حول الظروف المشددة والعقوبات التي فرضتها إدارة سجون الاحتلال بحق معتقلي معتقل عوفر منذ بداية العدوان على قطاع غزة، في السابع من تشرين الأول / أكتوبر الجاري، كنوع من الانتقام منهم.

وشملت العقوبات: سحب جميع الاجهزة الكهربائية من تلفاز وبلاطات تسخين الطعام وأباريق تسخين المياه، وقطع التيار الكهربائي عن الأقسام من الساعة السادسة صباحًا وحتى السادسة مساء، وتحديد الخروج للفورة بعشرين دقيقة فقط إذا لم يحرم منها الأسرى بشكل كامل، وإتلاف الأدوات الرياضية، وقطع الماء الساخن المخصص للاستحمام، وإغلاق المطبخ وتوفير وجبتي طعام متواضعتين فقط للمعتقلين، وشن حملات تفتيش يومية للغرف، والزج بـ9 معتقلين في كل غرفة بدلاً من 5 كما كان متبعا في السابق، وتحويل بعض المعتقلين المنتهية محكوميتهم للاعتقال الإداري.