بقلم: زهران معالي

واقع جديد يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على الأرض في الضفة الغربية، بتقطيع أوصالها وتحويلها إلى "مناطق معزولة"، بالتزامن مع استمرار عدوانه على قطاع غزة، لليوم التاسع عشر على التوالي.

بعد وقت قصير من بدء عدوان الاحتلال على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أغلقت قوات الاحتلال بشكل كلي مداخل أغلبية المدن والبلدات والقرى الفلسطينية بالضفة الغربية، ليس بالحواجز العسكرية فقط، بل بسواتر ترابية ومكعبات إسمنتية وبوابات حديدية.

وبلغ عدد الحواجز العسكرية التي يقيمها الاحتلال بمختلف أنواعها وأشكالها في الضفة الغربية إلى غاية 6 تشرين الأول/أكتوبر 567 حاجزًا، منها 77 حاجزًا رئيسًا، و490 حاجزًا تشمل (سواتر ترابية، ومكعبات إسمنتية، وبوابات حديدية)، بحسب تقرير لمعهد الأبحاث التطبيقية "أريج" نُشر مؤخرًا.

ويوضح التقرير، أن سلطات الاحتلال أضافت منذ بدء العدوان أكثر من 140 حاجزًا وعائقًا جديدًا، بهدف عزل مداخل المدن والقرى والبلدات الفلسطينية ومنع التواصل بينها، وتقييد حركة الفلسطينيين ومنعهم من استخدام الطرق الالتفافية التي باتت لاستخدام المستوطنين فقط.

في قرية عورتا جنوب نابلس، تبدو الصورة جلية لسياسة الفصل العنصري التي انتهجها الاحتلال الإسرائيلي بحق الضفة الغربية، بعدما أغلق الاحتلال جميع مداخل القرية بالسواتر الترابية، وأبقى على "حاجز عورتا العسكري"  كمنفذ وحيد مع محيطها الخارجي.

ويقول رئيس مجلس قروي عورتا سعد عواد: إن "الحاجز العسكري بات عنق الزجاجة للقرية، بعدما قطّع الاحتلال تواصلها مع العالم الخارجي، حيث أغلق كل الطرق المؤدية إلى بلدات حوارة وبيتا وأودلا، بالسواتر الترابية".

وتحولت بوابة القرية منذ بداية العدوان إلى ممر لتنقل الفلسطينيين بين محافظات شمال الضفة الغربية ووسطها، بعدما أغلق الاحتلال الطريق الواصل بين حاجزي حوارة وزعترة العسكريين ومنع المركبات الفلسطينية من المرور عبرهما، لكن تلك البوابة تتعرض لإغلاق مفاجئ في أعقاب أي حدث، وفق ما يؤكد عواد.

ويضيف عواد حول تأثير الإغلاق في سكان القرية:  "كل شيء في القرية تأثر، كل القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية وحتى النفسية لدى المواطنين والخوف والريبة من التنقل".

ويؤكد عواد: "ثمانية آلاف مواطن يعيشون في سجن كبير، ما جرى في جنوب إفريقيا نقطة في بحر ما يفرضه الاحتلال ومستعمروه على الأرض ضمن سياسة العقاب الجماعي".

ويشير إلى أنه منذ بدء العدوان لم يتمكن المدرّسون من خارج القرية من الالتزام بالدوام بمدارسها، فاستعان المجلس القروي بمدرّسي القرية العاملين خارجها لإعطاء الحصص الدراسية، وذلك بالتنسيق مع التربية والتعليم.

وأدى الإغلاق إلى مضاعفة جديدة للمرضى الذين كانت وجهتهم العيادات الصحية في بلدتي حوارة وبيتا قبل الإغلاق، فيما يضطر أهالي القرية إلى التوجه إلى مدينة نابلس في الحالات الاضطرارية فقط، خاصة في ساعات الليل، لتجنب الإذلال عبر البوابة، وفق عواد.

وعورتا حالة من بين عدة قرى وبلدات في محافظة نابلس، أغلقت قوات الاحتلال مداخلها الرئيسة بالبوابات الحديدية، والطرق الفرعية بالسواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية.

وأمكنت مشاهدة العديد منها على طول الطريق الرابط بين مدينتي نابلس ورام الله، مثل حوارة وبيتا والساوية وقبلان واللبن الشرقية..، وكذلك مثل بوابة دير شرف وحاجزي شافي شمرون وصرة العسكريين غرب المدينة.

ووفق مؤسسات حقوقية، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي شرع منذ بدء عدوانه، بتطبيق نظام الفصل العنصري على الطرق في الضفة الغربية، وذلك ضمن مخطط ليس بجديد، تسعى إسرائيل من خلاله إلى الفصل التام بين المواطنين الفلسطينيين والمستعمرين في الضفة الغربية في استخدام الطرق.

ووفق مختصين، فإن طول الطرق الالتفافية في الأرض الفلسطينية المحتلة يتجاوز أكثر من 980 كيلومترًا، ويهدف إلى تسهيل حركة المستعمرين في الضفة الغربية والسيطرة عليها في الوقت نفسه، إضافة إلى التحكم في حركة الفلسطينيين بين المدن الرئيسة.

وقبل يومين، وضعت قوات الاحتلال مكعبات إسمنتية على مدخل بلدتي قراوة بني حسان وحارس غرب سلفيت، إضافة إلى بوابة حديدية أقامها الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى في المنطقة، لتضاعف معاناة سبع قرى تقع غرب المحافظة.

وقال رئيس بلدية قراوة بني حسان إبراهيم عاصي: إن قوات الاحتلال وضعت المكعبات عند مداخل البلدين رغم وجود بوابة حديدية، وذلك في سياق المضايقات والتحكم في حرية حركة المواطنين خلال تنقلهم وسيرهم بين بلدات المحافظة وقراها.

وأوضح أن مدخل قراوة بني حسان يُعتبر ممرًا رئيسًا بالنسبة إلى البلدان الواقعة غرب سلفيت "قراوة وبديا ومسحة وسرطة والزاوية"، والمنفذ الوحيد المؤدي إلى مدينتي سلفيت ونابلس، وبالتالي إغلاق المدخل يؤدي إلى صعوبة تنقل المواطنين.

وباتت حركة الفلسطينيين محظورة على الطرق الالتفافية بالضفة الغربية، نتيجة الإجراءات التي اتخذها الاحتلال، كما الحال في بلدة حوارة وأجزاء من الطريق الالتفافي رقم 60 بين بيت لحم والخليل، وكذلك لاستخدام الاحتلال القوة ضد الفلسطينيين، التي أسفرت عن استشهاد 104 مواطنين بالضفة منذ بدء العدوان، وتضاعف إرهاب المستعمرين واعتداءاتهم.

وإجراءات الاحتلال تلك التي حولت الضفة الغربية إلى جزر مفصولة، أعادت إلى أذهان الفلسطينيين سياسة العقاب الجماعي التي انتهجها الاحتلال إبان اجتياح الضفة خلال انتفاضة الأقصى قبل 23 عامًا.

ويوضح عماد أبو هواش، الذي يعمل باحثًا ميدانيًا بالمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بمدينة الخليل، أن "ما يجري بالضفة من تقطيع الأوصال بين القرى والتجمعات، أشبه بما نفذه الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى".

وقال أبو هواش: إن قوات الاحتلال حولت محافظة الخليل إلى جزر مفصولة وضاعفت عدد البوابات الحديدية والسواتر الترابية على مداخل بلدات المحافظة وقراها بشكل ملحوظ منذ بدء العدوان.

ويؤكد أن الاحتلال يحاصر 800 ألف مواطن يعيشون في المحافظة، بـ20 حاجزًا عسكريًا ثابتًا، كما ضاعف عدد الحواجز العسكرية الطيارة التي كانت تقام شهريًا بمعدل 60-70 حاجزًا شهريًا، إلى أضعاف مضاعفة.

ويتابع: "حتى اللحظة، يصعب حصر عدد الحواجز والبوابات الحديدية والسواتر الترابية التي أضافها الاحتلال، كونها تزداد يوما بعد يوم منذ بدء العدوان، لكن عدد البوابات الحديدية تجاوز 20 بوابة في المحافظة". 

ومنذ 14 عامًا، يعمل هواش على توثيق اعتداءات الاحتلال والمستعمرين، إلا أن تلك المرحلة تُعتبر الأصعب على المحافظة، فالاحتلال والمستعمرون يمارسون أبشع وسائل العقاب والاعتداءات على المواطنين، ويستغلون حالة "إعلان الحرب"، لتنفيذ جرائمهم دون عقاب ورقابة.

ويضيف: حوّل الاحتلال المحافظة إلى مناطق معزولة، وجعل الحياة بين تلك التجمعات شبه معطلة، والتحرك فيها مغامرة بالحياة، إذ وُثقت عدة حالات إطلاق نار على المركبات، واعتقال لمن يتحرك في الشوارع المغلقة أو يسلك طرقا التفافية.

وينوه إلى تصاعد اعتداءات المستعمرين على الفلسطينيين، ففي مسافر يطا حيث يعيش 2500 مواطن في 12 خربة وتجمعًا فلسطينيا، ارتفعت الاعتداءات بشكل مخيف، وتوثق يوميًا من 1-4 اعتداءات من المستعمرين على تلك التجمعات.

ويوضح أن الاحتلال أعاد قيودًا كان قد فرضها خلال انتفاضة الأقصى، كظاهرة منع التجول في التجمعات الفلسطينية، وفرض إجراءات مشددة على المواطنين بمنطقة H2 في مناطق شارع الشهداء، وتل ارميدة، والحرم الإبراهيمي، وحارة غيث، وحارة جابر، وضيّق الخناق على تنقل المواطنين وحركتهم، وحدد ما بين الساعة 7.30-8 صباحًا لخروج المواطنين من المنطقة، والعودة إليها فقط بين 7-8 مساءً.

ووفق معهد "أريج"، فإنه في ظل إجراءات الفصل العنصري والعقوبات التعسفية الجماعية التي يفرضها الاحتلال على المواطنين الفلسطينيين في الضفة، بات أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني عالقين محاصرين بل رهائن لهذه الإجراءات التي جعلت تنقل المواطنين والبضائع صعبًا، بل مستحيلاً بين المدن والبلدات الفلسطينية.

ويشير المعهد إلى صعوبة السفر إلى العالم الخارجي من جهة أخرى، الأمر الذي سيؤثر سلبا في الأمن الغذائي، ومخزون السلع الأساسية، والمواد الغذائية، والإمدادات الطبية، والتعليم، والصحة، وإضعاف القطاع الاقتصادي.