لماذا هذه الهجمة غير المسبوقة على قيادة الاجهزة الأمنية، والتي طالت السلطة وقيادتها بعد حدث اعتداء بعض عناصر الأمن على أحد الشبان الفلسطينيين الذين تظاهروا في بيت لحم منذ أربعة أيام؟! ولماذا الكثيرون من رجال السياسة الفلسطينيين من الفصائل، وأيضاً من الكُتّاب والصحفيين شنوا هجمات إعلامية وسياسية قاسية على مدار عدة أيام، طالت هذه الهجمات قيادة السلطة، وقيادة الأجهزة الأمنية، ولم يسلَم منها الرئيس أبو مازن؟!

ولماذا أيضاً كل هذه المقالات والتحليلات والتعليقات التي غطَّت الصحافة الفلسطينية وغير الفلسطينية حول الشاب الفلسطيني ابن بيت لحم وما تعرَّض له من إساءة من قِبَل عناصر من الاجهزة الأمنية؟!

ولماذا الاصرار على الاستمرار في إشعال النار داخل البيت والدار؟؟!!

وهنا أسمح لنفسي بطرح مجموعة حقائق:

أولاً: المسيرة في بيت لحم كان مرخَّصاً لها من قِبَل الأجهزة الأمنية بدليل أنَّ السلطة ترحِّب بالتظاهر والتعبير عن المشاعر الجيَّاشة والوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي، واعتداءاته على المقدسات وخاصة الأقصى، والمرابطين فيه، والمدافعين عنه، أي أن يكون الهدف هو العدو الإسرائيلي.

ثانياً: إِنَّ السلطة الوطنية الفلسطينية ابتداء من الرئيس أبو مازن مروراً برئيس الحكومة، وصولاً إلى الأخ اللواء نضال أبو دخان قائد الامن الوطني، ومحافظ بيت لحم، والناطق الرسمي باسم الأمن الوطني، كلهم قدَّموا الاعتذار الواضح للشاب المتضرر ولأهله وعشيرته. والرئيس أبو مازن أرسل وفداً رسمياً إلى بيت الشاب الفلسطيني الذي تأذى في هذا الحادث، وأهله تقبَّلوا الاعتذار، وقدَّروا هذه المبادرة مما يدلُّ على أصالة شعبنا، وتسامحه في القضايا الداخلية.

ثالثاً:  لقد أعطى الرئيس أبو مازن تعليماته بتشكيل لجنة تحقيق تطال الجميع وفعلاً الأخ نضال أبو دخان نفَّذ التعليمات، وتم التحقيق وبسرعة، وأُخِذت القرارات، فهناك ضباط كبار تم وضعهم في الاستيداع وتوقيفهم عن العمل، وهناك ضباط وصف ضباط طالتهم العقوبة بالسجن، وغيرها من العقوبات ولاشك أنَّ الاهتمام غير العادي من القيادة هو دليل واضح على المنهجية الصادقة التي يتعاطى بها الرئيس ابو مازن والقيادات الامنية،  فقواتنا الامنية هي من ابناء الشعب الفلسطيني وليست قوة غوستابو كما وصفها أَحد المسؤولين. وهذا دليل واضح على العلاقة التي تربط الأب بأبنائه وأهله، والخطأ يحصل لكن قيادتنا لا تنتظر إرشادات من احد.

رابعاً: نتمنى من كل القيادات الفصائلية، والشخصيات الوطنية المهتمة بالشأن الوطني، وكل رجال الإعلام، ونحن لا نشكُّ بأمانة احد، أن يركّزوا على الاولويات عند وجود مجموعة احداث. فلا يجوز مثلاً ان ينشغل الجميع ولعدة أيام بحدث تم داخل البيت الفلسطيني وتمت معالجته مباشرة، وأن يتم إبرازه إِعلامياً وسياسياً وكأنه جريمة لا تُغتفَر، وأن يصبح هذا الحدث هو الهم الوطني، وان يتغلَّب الاهتمام بهذا الحدث على الاهتمام بما يجري من قِبَل العدو الاسرائيلي في المسجد الاقصى من عدوان على المقدسات، وعلى النساء، واطلاق نار على الشبان، واعتقالات، واحراق السجاد بالقنابل الحارقة. إِنَّ تحديد الاولويات في الاهتمام، وفي الصراع امرٌ بالغ الاهمية.

خامساً: نتمنّى من كل القيادات في مختلف المجالات ان تُعطي توجيهاتها الوطنية، ونصائحها لكل المتظاهرين بأن تكون تظاهراتهم موجَّهة نحو العدو الاساسي وهو الاحتلال، والاحتلال فقط، لأننا جميعاً تحت الاحتلال، وابناء صفٍّ واحد، وان لا يلتفت المتظاهرون الى من يحاول حرف البوصلة باتجاهٍ آخر غير الاحتلال بهدف تأزيم الموقف مع الاجهزة الامنية كما حصل في اوقات سابقة عندما كانت تنهال الشتائم على الرئيس ابو مازن داخل المقاطعة، ومثل هذا الانحراف يُفسد الاهداف، ويُدخلنا في متاهات لها اول وليس لها آخر. فرحمةً بالوطن علينا ان نبقى جميعاً أبناء الوطن.

سادساً: حتى تكون النظرة شمولية، والمعالجة موضوعية في الساحة الفلسطينية فإن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذه الحملة الشعواء على السلطة والاجهزة الامنية في الضفة بسبب هذا الحادث مع الشاب الفلسطيني الحمامرة، وهذا الحدث مدان ومرفوض على اعلى المستويات. لكن لماذا لم نسمع صوتاً جريئاً عندما قامت حركة حماس مثلاً في قطاع غزة بتفجير سيارات ومداخل خمسة عشر منزلاً لكوادر في حركة فتح، لماذا لم ترتفع الاصوات كما ارتفعت في الضفة الغربية. بل لم يتطرق أحدٌ لها، هل لأن القيادة الشرعية هي الموجودة في الضفة الغربية، ولأن القيادة الشرعية تتقبّل النقد والمصارحة، ولأن منظمات حقوق الانسان ودول العالم تدقق في اداء السلطة الوطنية لأنها م.ت.ف؟ واذا كان الامر كذلك فنحن موافقون، ونعفي الآخرين من المساءلة والانتقاد حتى لا يسيئوا علاقاتهم مع قيادة حركة حماس.

سابعاً: نتوجه بالتحية الى قيادة حركة "فتح" في الداخل التي سارعت الى معالجة الموضوع منذ البداية، وعبَّرت عن موقفها الاصيل وطنياً، وتنظيم حركة فتح الذي اعلن إلتفافه حول قيادته للحفاظ على الانجازات الوطنية والتاريخية، ومواجهة كل التحديات التي لا تخدم سوى الاحتلال وسياساته.

إذا كان البعض يريد جرَّنا من خلال الاستفزاز والتصعيد الى مهاوي الردى، فإننا بقيادة الربان الرئيس ابو مازن سنبقى دائماً حماة الوطن، والمدافعين عن شعب الجبارين، والمؤتمنين على القرار المستقل، والساعين الى انهاء الانقسام حتى تتجسد الوحدة الوطنية.

أمين سر اقليم لبنان

الحاج رفعت شناعة

22\9\2015