كنت اناقش مع الصديق عماد شقور اوجه الشبه والتناقض بين المسألتين الفلسطينية واليهودية. واستحضر مقالات احد ابرز قادة الصهيونية "أحاد عام"، الذي شبه المسألة اليهودية بالشبح، وطالب اقطاب اوروبا بتجسيد الشبح للخروج من دوامتها. وهذا ما حصل في عام 1948. وافترض صديقي، ان اسرائيل والعالم، باتوا معنين بتجسيد الشخصية الفلسطينية، الذي تكرس في إتفاق اوسلو، الذي انتج السلطة الفلسطينية، الوليد الخداج، غير كامل النمو.
رغم ان صديقي، إتفق معي على ان شكل وخلفيات التجسيد مختلفة بين المسألتين، لجهة تجذير وتطوير تجسيد المسألة اليهودية، وضمان حماية دولتها، بعكس المسألة الفلسطينية، التي تم ولادتها في كيان كسيح ومشوه، بهدف القضاء عليها وتصفيتها،لان العوامل الذاتية والموضوعية، لم تنضج لاخراجها وبلورتها في دولة كاملة السيادة. مع ان الشعب الفلسطيني، قدم عشرات الاف من الضحايا. غير ان ما يسقط من بين الباحثين، الذين يحاولون المقاربة بين المسألتين، ان المسألة الفلسطينية، كانت مجسدة في الارض والتاريخ، ولها حضور فعلي في الواقع. وقضيتها، تختلف جوهريا عن المسألة اليهودية، التي كانت فعلا شبح بالنسبة لاوروبا، وهم الذين اوجدوها، اضف إلى ان قادة اوروبا جميعا، كانوا يبحثون عن خلق اداة رخيصة، وغير مكلفة لتأمين تفتيت المنطقة العربية، بهدف نهب ثروات شعوب الامة العربية. وتم الاستخدام والتعاون مع الكيان الكولونيالي الصهيوني وفق التطورات داخل المعسكر الرأسمالي الغربي، وبما يخدم مصالح الكل الاوروبي والاميركي، وان كان نصيب المستثمر الاول بالضرورة اعلى واكبر، فضلا عن قدرته على التقرير في سياسات الدولة الاسرائيلية. وبالتالي تضافر العوامل الاوروبية مع الحركة الصهيونية، اوجد الحامل القوي والمؤثر في تجسيد المسألأة اليهودية. ولو لم تكن اوروبا منذ دعوة نابليون 1798 والملك غليوم الثاني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واخيرا الاحتضان الانكليزي للحركة الصهيونية منذ الانتداب على فلسطين وإصدار وعد بلفور في نوفمبر 1917، ثم الرعاية والدعم الاميركي، بعد تبؤها مركز القرار والصدارة في المعسكر الغربي في اعقاب الحرب العالمية الثانية، لما امكن للدولة العبرية الوجود والبقاء.
بعكس المسألة الفلسطينية، التي لم تكن يوما شبحا، بل كان الشعب الفلسطيني حقيقة راسخة في الواقع، خضع للانتداب والاستعمار القديم بعد إنهيار وهزيمة الاستعمار التركي في الحرب العالمية الاولى 1914/1917 اسوة بشعوب العربية. وكان يفترض ان يحصل على استقلاله بعد رحيل الاستعمار البريطاني. لكن الغرب الرأسمالي كله، الذي قرر في مؤتمر كامبل ليبرمان 1905/1907 العمل على تمزيق وتقسيم العالم العربي، الذي تكرس باتفاقية سايكس بيكو 1916، ونفذت بريطانيا المخطط بقلب الصورة، فهيأت المشهد لتجسيد المسألأة اليهودية، واوجدت الشرط لخلق شبح المسألة الفلسطينية، بعدما اقامت الدولة العبرية ونكبت الشعب الفلسطيني بهجرته وتشريده.
إذاً لا وجه شبه بين الشبحين، وبين المسألتين. اضف الى التناقض في العامل الموضوعي الحامل لكل مسألة. فالمسألة اليهودية حملتها الرأسمالية العالمية، وجسدتها بقوة في الواقع رغما عن الفلسطينين وبتواطؤ مع العرب وصمت العالم. اما الحامل الموضوعي للمسألة الفلسطينية، مازال حتى الان هشا وضعيفا وتابعا لمنطق وخيار الغرب. كما ان العامل الذاتي الفلسطيني، رغم انه شكل رافعة مهمة لتكريس الهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية، وحقق العديد من الانجازات الوطنية، ووضع القضية على طاولة البحث الجدي في اروقة الامم المتحدة ودول الغرب والشرق والعرب على حد سواء، إلآ ان البحث لتجسيد المسألة الوطنية، بقي رهن التطورات في المشهد العربي والاقليمي والدولي، واتفاقية اوسلو، كانت نتاج موازين القوى القائمة، وتعاملت القوى الاسرائيلية المؤثرة مع اوسلو باساليب التفافية، كي تشيعها، وهو ما نجحت به خلال العقدين السابقين.
الان على الفلسطينيين كل من موقعه ودوره في صناعة القرار، العمل على إعادة الاعتبار للمسألة الفلسطينية وتجسيدها في الواقع كدولة كاملة السيادة رغما عن الغرب والشرق والعرب.
المسألتان متناقضتان: بقلم عمر حلمي الغول

22-09-2015
مشاهدة: 968
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها