بعد مرور 42 يوماً، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل يوم الأحد الماضي. وفي ضوء المعطيات، فإن إسرائيل وعلى لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو غير مستعدة لإنجاز المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تقضي بتبادل كافة الأسرى والمحتجزين ووقف نهائي للحرب. وصرّح نتنياهو الذي أوقف مفاوضات المرحلة الثانية بأنه يسعى لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق ستة أسابيع أخرى، يتم فيها تبادل الأسرى والمحتجزين (من المتوقع أن يصل عددهم إلى 22 محتجزًا على قيد الحياة وما لا يقل عن 32 جثة). ومن ثم الشروع في مفاوضات لاحقة لإنهاء العدوان. بالمقابل،طالبت حماس الوسطاء بالضغط على إسرائيل للمضي قدماً في مفاوضات المرحلة الثانية، معتبرةً أن التمديد يشكّل خرقاً للاتفاق كما صرح القيادي في الحركة سامي أبو زهري.

وفي ظل هذه التجاذبات السياسية، قامت الحكومة الإسرائيلية بقطع كافة المساعدات عن قطاع غزة حتى توافق حماس على مقترح التمديد. وفي هذا الصدد، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي ساعر، أن البيت الأبيض على علم بالإجراءات الإسرائيلية بما فيها قطع المساعدات التي جاءت بالتنسيق معه. كما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي كاتس بأن جيشه مستعد لاستئناف العدوان على القطاع، حيث استدعى الجيش الإسرائيلي مؤخراً 400 ألف جندي احتياط، وحصل على واردات من الأسلحة الأميركية المتطورة بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وتحتوي هذه الأسلحة الجديدة على أكثر من 35 ألف قنبلة ذات أوزان عالية من ضمنها 4000 قنبلة مخصصة ضد التحصينات، وهذه رسالة واضحة من قبل جيش الاحتلال بأنه غير متردّد باستئناف العدوان على القطاع، وخاصةً أن اتفاق المرحلة الأولى لا يمنعه من استئناف الحرب، كما أنه يعطيه الحق في المادة الأولى منه من التوافق على تمديد المرحلة الأولى وهو ما وافقت عليه حماس ووقّعت عليه.

وبين التناقض الكبير في المواقف بين الجانبين، أثار ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس ترامب الذي سيزور المنطقة أواخر الأسبوع الجاري خطة توفيقية إلى حد ما، حيث تشير التسريبات الإعلامية الإسرائيلية بأن هذه الخطة تقتضي بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الأحياء والأموات في اليوم الأول من التمديد، وسوف يتم إطلاق سراح الرهائن المتبقّين في نهاية الفترة إذا تم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.

- في الواقع، هنالك عدة سيناريوهات مستقبلية قد تحدد مسارات استئناف الحرب في قطاع غزة، ومنها:

- أولاً: سيناريو التهجير: يتزايد سعي إسرائيل إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وبالتالي فإن أي استئناف إسرائيلي للعدوان سيكون محكوماً بدوافع الترانسفير القسري، وهو الذي سيدفع حكومة اليمين الإسرائيلية إلى تعطيل أي اتفاق مستقبلي من أجل خلق الذرائع لتهجير أبناء قطاع غزة باستخدام القوة العسكرية.

- ثانيًا: سيناريو التمديد: قد تنجح جهود ويتكوف في تمديد الاتفاق حتى تستطيع إسرائيل تحرير كافة أسراها المتبقين أو نصفهم على الأقل، ولكن هذا السيناريو سيواجه برفض حماس لأنها تعي أن ورقة الأسرى هي الورقة الوحيدة المتبقية لها من أجل البقاء في حكم غزة. وبين الجهود الأميركية الرامية للتمديد وبين رفض حماس، فإن الورقة التي قد تدفع حماس لقبول التمديد هي حدوث انشقاق أو انقسام بين النخب السياسية لحماس وبين النخب العسكرية.

- ثالثًا: سيناريو المحافظة على الوضع الراهن: حتى هذه اللحظة، فإن هذا السيناريو هو المسيطر والمطبق، حيث امتنعت إسرائيل عن التقدم عسكرياً في القطاع. وتشير صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بأن إسرائيل ستعطي فرصة للدبلوماسية، وأنها ربما تمتنع عن البدء بأي عمل عسكري في شهر رمضان أو على الأقل حتى يتم تمرير مبادرة ويتكوف وتقييم الوضع بناءً على موقف حماس والوسطاء. وأعتقد هنا بأنه ستظل هنالك إمكانية لإسرائيل تتيح استمرار قطع المساعدات عن القطاع وتضييق الخناق على أهله مع استمرار العمليات العسكرية النوعية لجيش الاحتلال مثل الاغتيالات واستهداف البنى التحتية التي تكشفت في فترة الهدنة.

- رابعًا: سيناريو غياب حماس عن المشهد السياسي والعسكري: يفترض هذا السيناريو تحول حماس إلى حزب سياسي وإقرارها بعودة السلطة الوطنية لحكم قطاع غزة مع تسليم سلاح المليشيا إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وبرغم أن كلاً من حكومة الاحتلال الاسرائيلي وحماس ترفضان بشدة هذا المقترح، إلا أن تأييد الدول العربية الرئيسية للمقترح سيجعله أكثر قابلية للتحقيق، وسوف ينتظر الجميع القمة العربية في القاهرة التي ستعقد هذا اليوم في الرابع من آذار الحالي من أجل تحديد خيارات اليوم التالي للعدوان وآليات إعادة إعمار قطاع غزة.

في النتيجة، فإن جميع هذه السيناريوهات متوقعة وإن كانت بدرجات متفاوته، ولكن يمكن وصف خيار التهجير بأنه هو الخيار المفضل للإسرائيليين، لأنه حسب إسرائيل وأهدافها سيخلصها من هموم قطاع غزة إلى الأبد. أما خيار غياب حماس عن المشهد السياسي والعسكري فهو السيناريو المفضل للشعب الفلسطيني لأنه سيتيح تجنيب ما تبقى من قطاع غزة مزيداً من الدمار، وسيؤدي إلى مزيد من الاعتدال في المنطقة وتعزيز القدرة على إعادة الإعمار. وبين الخيارين المتناقضين ستبقى الإجابة عن هذه الأسئلة هي الفاصلة في الأيام المقبلة وهي: هل ستوافق حماس على تسليم أسلحتها ونقل إدارة القطاع إلى السلطة الوطنية الفلسطينية صاحبة الشرعية الوطنية والقبول العالمي؟ أم أنها ستبقى تكابر حتى لو تم تهجير أهل القطاع جميعهم لأنها تسعى فقط للبقاء في الحكم؟.