لن يعدم رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" الذريعة ليواصل حربه العدوانية على قطاع غزة، ففي جعبته حكاية المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة "حماس" ويكاد يجعل منها كمثل حكاية إبريق الزيت التي لا شيء فيها سوى التكرار، الذي لا طائل من ورائه. طالما ظل المحتجزون في أقبية هذه الحركة، طالما هدد "نتنياهو" وتوعد، بل وطالما أبقى اتفاق الهدنة بلا أي هدنة. ستة شهداء، وست إصابات، يوم أمس الأول في بيت حانون وخان يونس ورفح جراء القصف العدواني الإسرائيلي، ومعابر مغلقة في القطاع المكلوم، حتى إشعار آخر.

المعضلة هنا أن حركة حماس ترى في سياسة الاحتلال هذه، محاولة "للضغط على فريق التفاوض" لكنه وكما أعلن الناطق باسمها حازم قاسم "فإن الاحتلال لن يفلح، حتى لو واصل عدوانه" وفي هذه العبارة يتضح أن لحماس أيضًا حكاية إبريق الزيت، بالتكرار ذاته، لكنه هنا تكرار المكابرة، والنكران ليس إلا. إنه التكرار الذي لا يرى في مواصلة الاحتلال لعدوانه مزيدًا من الضحايا من أهلنا في القطاع المكلوم، بل إنه تكرار لا يهتم لهذه النتيجة الدامية، بدليل هذه العبارة، عبارة "حتى لو واصل الاحتلال عدوانه" في تصريح حازم قاسم، وحرف (حتى) هنا يُعربُ كحرف عطف، وفي المعنى يفيد عدم الاكتراث بما قد يفعله تواصل العدوان الإسرائيلي.

كلفنا المحتجزون الإسرائيليون لدى حماس وجماعتها حتى الآن أكثر من خمسين ألف شهيد وشهيدة، وأكثر من مئة ألف جريح، وقطاع بالغ الخراب، والمجاعة، يا له من ثمن جسيم وفادح. وإبريق الزيت ما زال يرشح بزيت المراوغة الإسرائيلية من جهة، وزيت النكران الحمساوي من جهة أخرى. إبريق الزيت الذي كلما استبدل بجديد، يظل راشحًا، مخلفًا الذرائع ذاتها، لنتنياهو أن يواصل العدوان، ولحماس أن تواصل تشبثها بوهم عودتها لسدة الحكم في قطاع غزة.

ستطلق حماس سراح المحتجزين لديها جميعهم في المحصلة، لكن بعد أن يزيد العدوان الإسرائيلي أعداد الضحايا بين صفوف أهلنا في القطاع المكلوم، وتفاقم معاناتهم اليومية. والمؤلم لن يكون المشهد على حقيقته هذه، في خطاب الإعلام والسياسة، لا الإسرائيلي، ولا الحمساوي، في فضائيتهما الأثيرة، فضائية التهويمات، والتحليقات الدعائية والخرافية، "الجزيرة" العائمة في بحر الظلم، الذي هو ظلمات يوم القيامة. إبريق الزيت سيظل حاضرًا حتى بلا محتجزين، لأن إسرائيل اليمين العنصري المتطرف ستظل متشبثة بوهم القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني التحرري، و"حماس" ستواصل معاقرة وهم العودة إلى كرسي الحكم في القطاع المكلوم وعلى النحو الذي سيظل منتجًا للذرائع التي يريدها نتنياهو ليواصل حربه العدوانية على فلسطين ومشروعها التحرري. وعلى هذا نحن اليوم في مواجهة أوهام كبرى مسلح بعضها بغطرسة القوة وعدوانيتها، والأخرى بشعارات الخطاب الشعبوي، لكن يظل واقع الطبيعة الفلسطينية هو الحقيقة التي من المحال تجاوزها ومن المحال أن تهزمها الأوهام. الحقيقة التي خلاصتها، فلسطين السلام والاستقرار والدولة السيدة بعاصمتها القدس الشرقية، هي الحل، والملاذ، والخلاص من الحروب والأوهام معًا.